لما حضرت أبا عبيدة بن الجراح الوفاة ولّى عياض بن غنم عمله الذي كان يليه وكان عياض رجلا صالحا ، فلما نعي أبو عبيدة إلى عمر أكثر الاسترجاع والترحّم عليهم ، وقال لا يسد مسدك أحد ، وسأل من استخلف على عمله؟ قالوا : عياض بن غنم فأقره وكتب إليه : إنّي قد ولّيتك ما كان أبو عبيدة بن الجراح يليه ، اعمل بالذي لحقّ الله عليك ، وكتب إليه كتابا طويلا يأمره فيه وينهاه ، وكان عياض بن غنم رجلا سمحا وكان يعطي ما يملك لا يعدوه إلى غيره لربما جاءه غلامه فيقول : ليس عندنا ما تتغدّون به ، فيقول خذ هذا الثوب فبعه الساعة فاشتر به دقيقا فيقول له : سبحان الله أفلا تقترض خمسة دراهم من هذا المال الذي في ناحية بيتك إلى غد ولا تبيع ثوبك ، فيقول : والله لأن أدخل يدي في جحر أفعى فتنال مني ما نالت أحبّ إليّ من أن أطمع نفسي في هذا الذي تقول ، فلا يزال يدفع الشيء بالشيء حتى يأتي وقت رزقه ، فيأخذه فيوسع فيه ، فمن أدركه حين يأخذ رزقه غنم ، ومن تركه أياما لم يجد عنده درهما واحدا ، فكلم عمر بن الخطّاب في عياض أشدّ الكلام ، وقيل إن عياضا رجل يبذّر المال لا يمسك في يده شيئا ، وإنّما عزلت خالد بن الوليد لأنه كان يعطي الناس دونك ، فقال عمر إن سماح عياض في ذات يده حتى لا يبقي منه شيئا ، فإذا بلغ مال الله لم يعط منه شيئا ، مع أنّي لم أكن لأعزل أميرا أمّره أبو عبيدة بن الجرّاح وأبى إلّا توليته ، فرأى من عياض كلما يحب وكان على حمص ، فكان إذا غزا من الشام وجها فغنم رجع إلى حمص.
وكان افتتاح الجزيرة والرّها والحرّان (١) على يديه سنة ثمان عشرة صالحهم وكتب بينهم كتابا ، ووضع الخراج على الأرض ، فكان ينظر إلى الأرض وما تحمل فيضع عليها ، ومنها أرض عشر لا يتجاوز به غيره ، وأبطأ بالخراج عن وقته ، فكتب إليه عمر بن الخطّاب :
إنك قد أبطأت بالخراج عن وقته ، وقد عرفت موقع الخراج من المسلمين ، وإنه قوة لهم على عدوهم ، ولفقيرهم وضعيفهم ، وقد عرفت الموضع الذي أنا به ، ومن معي [(٢) من المسلمين ، إنّما هو كرش منثور (٣) ، فاجدد في أخذ الخراج في غير خرق] ، ولا وهن عنهم.
فلما جاءهم كتاب عمر أخذهم بالخراج أشدّ الأخذ حتى أقامهم في الشمس ، ونال منهم ، ثم جمع الخراج في أيام فحمله إلى عمر.
__________________
(١) كذا بالأصل وم و «ز» ، بال التعريف.
(٢) ما بين الرقمين سقط من «ز».
(٣) جاء في اللسان (كرش) : ويقال : عليه كرش منثورة : أي صبيان صغار.