فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت ـ فذكر جويرية مشقة ذلك على عمر (١) ، وذكر حلفه واعتذاره ـ قال : فانتهينا إلى بابه ، فقال عمر : السلام عليكم ، قال : وعليكم السلام ، قال : أدخل؟ قال : ومن أنت؟ قال يرفأ ، هذا من يسوؤك ، هذا أمير المؤمنين ، قال : ففتح الباب ، فإذا سمار ومصباح ، وإذا هو مفترش (٢) ديباجا وحريرا ، قال : يا يرفأ ، الباب الباب ، ثم وضع الدرة بين أذنيه ضربا ، فجعل عمرو يحلف ، ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت ، ثم قال للقوم : لا تبرحوا حتى أعود إليكم.
فخرجنا من عنده ، فقال : يا يرفأ انطلق بنا إلى] أبي موسى ، أبصره ، عنده سمار ومصباح ، مفترشا صوفا من مال المسلمين تستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت. قال : فانطلقنا إليه وعنده سمار ومصباح ، مفترشا من مال [المسلمين] ، فوضع الدرة بين أذنيه ضربا ، وقال : أنت أيضا يا أبا موسى ، قال : يا أمير المؤمنين ، هذا وقد رأيت ما صنع أصحابي ، أما والله لقد أصبت مثل ما أصابوا ، قال : فما هذا؟ قال : زعم أهل البلد أنه لا يصلح إلا هذا ، فكوّر المتاع فوضعه في وسط البيت وقال للقوم : لا يبرحن منكم أحد حتى أعود إليكم.
فلما خرجنا من عنده قال : يا يرفأ ، انطلق بنا إلى أخي لتبصر به ليس عنده سمّار ولا مصباح ، وليس لبابه غلق ، مفترشا بطحاء ، متوسدا برذعة ، عليه كساء رقيق ، وقد أذلقه (٣) البرد ، فتسلم عليه ، فيرد عليك السلام ، وتستأذن فيأذن لك من قبل أن يعلم من أنت. فانطلقنا حتى إذا قمنا على بابه ، قال : السلام عليكم ، قال : وعليك السلام. قال : أأدخل ، فدفع الباب فإذا ليس له غلق ، فدخلنا إلى بيت مظلم ، فجعل عمر يلمسه حتى حتى وقع عليه ، فجسّ وساده فإذا هو برذعة ، وجس فراشه فإذا بطحاء ، وجس دثاره فإذا كساء رقيق ، فقال أبو الدرداء : من هذا؟ أمير المؤمنين؟ قال : نعم ، قال : أما والله لقد استبطأتك منذ العام. قال عمر : رحمك الله أولم أوسع؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء : أتذكر حديثا حدثناه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا عمر؟ قال : أي حديث؟ قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. قال : نعم ، قال : فما ذا فعلنا بعده يا عمر؟
قال : فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا.
__________________
(١) كذا في م والمختصر ، ولعل الصواب : «عمرو».
(٢) في م : مفترش.
(٣) في م : أدلقه.