العام. أمّا في الأساس ، فهي ، وبصورة عامة ، استمرار لصراع دام عدة قرون ، من دون أن يحسم لمصلحة أي من الطرفين.
والحقيقة التاريخية تفيد أنه منذ بروز العرب على مسرح التاريخ في الشرق الأدنى ، كقوة سياسية ذات وعي ذاتي بعروبتها ، كان ذلك على علاقة بالإمبراطورية الرومانية ووارثتها البيزنطية. فالأنباط والتدمريون والغساسنة ، وحتى اللخميون بمنظور معين ، خبروا علاقات صداقة وعداء مع هذه الإمبراطورية. وبظهور الإسلام ، وما تلا ذلك من حركة الفتوح ، تقدم العرب خطوة كبيرة نحو وراثة بيزنطة كدولة ذات منظور كوني. وقد تأرجحت هذه الفكرة في أفقها بين مدّ وجزر خلال العصور ، وبالتالي تقلب ردة الفعل البيزنطية على هذا التحدي. وكان الطابع الهجومي هو في الأغلب على الجانب الإسلامي ، بينما غلب على الجانب البيزنطي طابع الدفاع ، بعد النصر الذي حققه المسلمون في عصر الفتوح ، ولاحقا في أيام الأمويين. وفي فترات معينة من أيام العباسيين ، انتهز أباطرة بيزنطة الفرص المواتية للانتقال إلى حالة الهجوم بهدف استرداد ما فقدوه من أراض في الشرق. إلّا إن الحدود استقرت بصورة عامة بين دار الإسلام ودار الحرب.
وتعدد الكتابات المعاصرة أسبابا كثيرة للحملات الصليبية ـ دينية واقتصادية وسياسية ، واجتماعية .. إلخ. لكن أغلبية الكتّاب تكتفي بذكر الأسباب ، من دون تقديم بعضها على بعض ، أي ترتيبها بحسب الأهمية والأولوية ، وبالتالي أثرها المباشر في اندلاع الصراع. وعلى العموم ، فإن هؤلاء الكتّاب يتوجهون إلى دراسة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أوروبا ، من جهة ، وأوضاع المسيحيين في الشرق عامة ، والحالة في القدس خاصة ، من جهة أخرى. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الأسباب التي يرد ذكرها كانت في أغلبيتها قائمة منذ زمن طويل ، من دون أن تؤدي إلى حروب صليبية. وحروب الحدود ، وتعديلها في هذا الاتجاه أو ذاك ، ظلت مستمرة لفترة طويلة من دون أن تدفع إلى المواجهة العامة. وأوضاع المسيحيين في الشرق ، وكذلك الحالة في القدس ، لم يطرأ عليها تغيير جذري يستوجب مثل هذه الحرب الضروس. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصراع الاقتصادي والتطورات الاجتماعية في كل من أوروبا والشرق. ويبقى الحدث المهم الذي طرأ عشية تلك الحروب هو التهديد السلجوقي للقسطنطينية.
لقد سحق السلاجقة الجيش البيزنطي في معركة مانجكرت (ملازجرت) ، سنة ١٠٧١ م. وأقاموا سلطنة روم في قونيا (أيكونيوم ـ إزنك) ، في مقابل القسطنطينية (١٠٧٧ م). وفي السنة نفسها ١٠٧١ م ، دخل أطسيز القدس. أمّا إمبراطور بيزنطة