عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه ، وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته ، وجعل عرض الشارع الأعظم مأتي ذراع ، وقدّر أن يحفر في جنبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره ، وبنيت القصور وشيّدت الدور وارتفع البناء ، وكان يدور بنفسه فمن رآه قد جدّ في البناء أجازه وأعطاه ، فجدّ الناس ، وسمّى المتوكّل هذه المدينة الجعفريّة ، واتصل البناء من الجعفريّة إلى الموضع المعروف بالدور ثمّ بالكرخ وسرّ من رأى مادّا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه المعتزّ ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه ، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ.
وارتفع البنيان في مقدار سنة ، وجعلت الأسواق في موضع معتزل ، وجعل في كلّ مربّعة وناحية سوقا ، وبني المسجد الجامع ، وانتقل المتوكّل إلى قصور هذه المدينة أوّل يوم من المحرّم سنة سبع وأربعين ومأتين ، فلمّا جلس أجاز الناس بالجوائز السنيّة ووصلهم ، وأعطى جميع القوّاد والكتّاب ومن تولّى عملا من الأعمال ، وتكامل له السرور وقال : الآن علمت أنّي ملك إذ بنيت لنفسي مدينة سكنتها ، ونقلت الدواوين ؛ ديوان الخراج وديوان الضياع وديوان الزمام وديوان الجند والشاكرية ، وديوان الموالي والغلمان ، وديوان البريد ، وجميع الدواوين ، إلّا أنّ النهر لم يتمّ أمره ولم يجر الماء فيه إلّا جريا ضعيفا لم يكن له اتصال ولا استقامة ، على أنّه قد أنفق عليها شبيها بألف ألف دينار ولكن كان حفره صعبا جدّا إنّما كانوا يحفرون حصا وأفهارا ، لا يعمل فيها المعاول.
وأقام المتوكّل نازلا في قصوره بالجعفريّة تسعة أشهر وثلاثة أيّام ، ثمّ قتل لثلاث خلون من شوّال سنة ٢٤٧ في قصره الجعفري أعظم القصور شؤما ، وولي محمّد المنتصر بن المتوكّل فانتقل إلى سرّ من رأى ، وأمر الناس جميعا بالانتقال عن الماحوزة وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سرّ من رأى ، فانتقل الناس