ولنذكر نقاط رئيسيّة من ريّ سامرّاء (١) مضافا على ما ذكرنا ، قال : إنّ المتوكّل بنى مسجدا جامعا كبيرا وأعظم النفقة عليه ، ويمتاز هذا الجامع مع مأذنته من بقيّة الجوامع بفسحه وضخامته وبمأذنته الغريبة. أمّا بناء الجامع فلم يبق منه غير جدرانه الخارجيّة التي تحيط بساحته مستطيلة طولها ٢٤٠ متر وعرضها ١٥٨ متر ، ويبلغ ارتفاع الجدران زهاء عشرة أمتار ، وثخنها حوالي المترين ، وهي مبنيّة بالآجر. ويستدلّ من استكشاف هرزفلد على أنّه كان في حرم المسجد ٢٥ رواقا ، والأوسط منها أكثر اتساعا من البقيّة ، وجملة عدد الأعمدة ٤٨٨ عمود ، وكانت السقوف ترتكز على العمد مباشرة دون طبقات من البناء ، وكان في وسط المسجد فوّارة عظيمة وهي التي ذكرها ووصفها المستوفي بأنّها كانت من قطعة واحدة من الحجر محيطها ٢٣ ذراع وارتفاعها سبعة أذرع ، وثخنها نصف ذراع ، وكانت تعرف ب «كأس فرعون». وروى المستوفي أيضا أنّ مأذنة المسجد كان ارتفاعها ١٧٠ ذراعا يرقى إليها من الخارج وهي منفردة في طرزها ، ولم يبن نظيرها من قبل.
وقد اثبتت حفريّات هرزفلد أنّ الأساس الأسطواني لقاعدة الفوّارة كان مبنيّا بالطوب ومؤنة الجير والرماد. أمّا كأسها فكانت مرتكزة على قاعدة مكسوّة بالرخام وقد عثر بجوار الفوّارة خارج الأساس الأسطوانيّ على قطع من أعمدة الرخام والتيجان ، وعلى زخارف جصيّة منقوشة ومذهّبة ومحلّات بالفسيفساء الزجاجيّة ولذلك يظنّ أن قد كانت سقيفة من الخشب محمولة على دائرة من الأعمدة مرفوعة فوق هذه الناقورة المسماّة «كأس فرعون».
وقد ثبت لنا من تدقيقاتنا أنّ الفوّارة هذه كانت تستمدّ مياهها من القناة التي أنشأها المتوكّل لإيصال المياه إلى مدينة سرّ من رأى وهي القناة التي كانت تبدأ من
__________________
(١) ريّ سامرّاء ١ : ١٠٨.