فقال : اصنعوا
المنارة على هذا المثال ، فصنعوها. ولمّا تمّ بناء الجامع رأى أحمد بن طولون في
منامه كأنّ الله تعالى قد تجلّى للمقصورة التي حول الجامع ولم يتجلّ للجامع ، فسأل
المعبّرين فقالوا : يخرب ما حوله ويبقى قائما وحده. فقال : من أين لكم هذا؟ قالوا
: من قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى
رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) وقوله صلىاللهعليهوآله : «إذا تجلّى الله لشيء خضع له» وكان كما قالوا.
وجاء في كتاب
الآثار العراقيّة : إنّ أضخم وأبرز العمارات الباقية من مدينة سامرّاء
القديمة هو الجامع الكبير المذكور في الكتب القديمة باسم المسجد الجامع ، ومأذنته
المعروفة بين الناس باسم الملوية. والملوية مأذنة مخروطيّة الشكل تستند إلى قاعدة
مربّعة يصعد إلى قمّتها من سطح مائل عريض يدور حولها من خارجها دوران الحلزون ،
يبلغ طول ضلع القاعدة اثنين وثلاثين مترا غير أنّ قطر القمّة يصبح ستّة أمتار ،
أمّا مجموع ارتفاع المأذنة عن سطح الأرض فيبلغ اثنين وخمسين مترا. تبدأ المرقاة
الحلزونيّة التي تضمن الصعود إلى القمّة من وسط الضلع الجنوبي المقابل لجدار
الجامع نفسه وتدور حول محور المأذنة باتجاه معاكس لا تجاه دوران عقرب الساعة خمس
مرّات إلى أن تصل إلى باب القمّة الذي ينفتح هو أيضا في وسط القسم الجنوبي ،
والقمّة تكون أسطوانة يبلغ ارتفاعها ستّة أمتار وهي مزدانة بروازين عمياء مدبّبة
العقد ومتقعّرة السطح ، عدد هذه الروازين العمياء ثمان غير أنّ إحداها تقوم مقام
باب ينفذ إلى داخل الأسطوانة ، ويوصل إلى ذروييها بواسطة درج حلزوني يدور داخلها
حول محورها وتدلّ المعالم الموجودة على أنّ هذه القمّة
__________________