وكان في الليل يطوف في السكك والمحلّات ، حتّى أنّ امرأة لو تكلّمت في الفراش مع زوجها تخاف حذرا من استراق السمع الناصر لدين الله ، وكان لا يخفى عليه أحوال الملوك والسلاطين ، وكان إذا أطعم أشبع ، وإذا ضرب أوجع ، وله مواطن يعطي فيها عطاء من لا يخاف الفقر.
ووصل إليه رجل معه ببغاء ـ وهو نوع من الطيور أخضر اللون ، أحمر المنقار والرجلين ، يعلّمونه الكلام ويقال له طوطي ـ فقرأ قل هو الله أحد أرسلها للخليفة بعض من كان في الهند تحفة له ، فلمّا وصل بغداد ماتت الببغاء ، فأصبح الرسول في غاية الحزن والتحيّر ، فجاءه فرّاش الخليفة يطلب منه الببغاء ، فبكى الرسول وقال : الليلة ماتت. فقال : قد عرّفناه هاتها ميتة ، وقال : كم كان ظنّك أن يعطيك الخليفة؟ قال : خمسمائة دينار. قال : خذها فقد أرسلها إليك الخليفة فإنّه أعلم بحالك منذ خرجت من الهند.
وقال أيضا : عمّر الناصر بالله الرباط الخلاطيّة في الجانب الغربي ببغداد ، فلمّا فرغ من العمارة دعا الناس على مائدة أنفق فيها مالا عظيما كثيرا ، وذبح خمسة عشر ألف غنم وثلاثين ألف دجاج ، وهيّأ من الفواكه والأشربة والحلاوات ما لا يحصى كثرة.
وقال جمال الدين القاشاني : رفع إلى الناصر أنّ طلبة المدرسة النظامية يشربون الخمر ويشتغلون بالزنا واللواط ، فلمّا كثر الواشون أمر بإخراج الطلّاب ذلّا وصغارا وجعل المدرسة اصطبلا ومربطا للدوابّ ، فرأى بعد أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآله في المنام ومعه نظام الملك الطوسي الذي بنى المدرسة النظاميّة فتقدّم الناصر وسلّم على النبيّ صلىاللهعليهوآله فأعرض النبيّ صلىاللهعليهوآله عنه ، فانكبّ الناصر على قدمي رسول الله صلىاللهعليهوآله ويقول : يا سيّدي ، بأيّ ذنب طردتني وأعرضت عنّي؟ فأشار رسول الله إلى نظام الملك وقال : إذا رضي عنك هذا فأنا راضي عنك ، فالتفت الناصر إلى نظام الملك