الذي لا عوض له أن يصرف في هذه الأراجيف ، وممّا ذكرنا وما نذكر يعرف قيمة دين النصارى من قسّيسهم ورهبانهم وراهباتهم حيث أنّهم لا يعرفون إلّا الخمور والملاهي والمعازف والمعانقة مع القينات والفتيات ، أعاذنا الله من الغفلة والذهول.
أين الملوك التي عن حفظها غفلت |
|
حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها |
تلك المدائن في الآفاق خالية |
|
عادت خرابا وذاق الموت بانيها |
أموالنا لذوي الورّاث نجمعها |
|
ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
٣٩ ـ دير قوطا
وهذا الدير بالبردان.
أقول : تقدّم أنّ البردان من نواحي سامرّاء ، والبردان من المواضع الحسنة والبقاع النزه والأماكن الموصوفة وهي كثيرة الطراق والمتنزّهين ، وهذا الدير يجمع أحوالا كثيرة منها عمارة البلد وكثرة فواكههم ووجود جميع ما يحتاج إليه فيه ، ومنها أنّ الشراب هناك مبذول ، والحانات كثيرة. ومنها أنّ في هذا الموضع ما يطلبه أهل البطالة والخلاعة من الوجوه الحسان ، والبقاع الطيّبة النزهة فليس يكاد يخلو ، ولعبد الله بن العبّاس بن الفضل بن الربيع فيه :
يا دير قوطا لقد هيّجت لي طربا |
|
أزاح عن قلبي الأحزان والكربا |
كم ليلة فيك واصلت السرور بها |
|
لمّا وصلت لها الأدوار والنخبا |
في فتية بذلوا في القصف ما ملكوا |
|
وأنفقوا في التصابي المال وانعشبا |
وشادن ما رأت عيني لها شبها |
|
في الناس لا عجما منهم ولا عربا |
إذا بدا مقبلا ناديت وا طربا |
|
وإن مضى معرضا ناديت وا حزنا |
أقمت بالدير حتّى صار لي وطنا |
|
من أجله ولبست المسح والصلبا |