بشر ، أنبأ ابن جريج ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه أنه قال :
لما انتبه عزير وأحرق قرية النمل ، فأوحى الله إليه : يا عزير أحرقت قرية النمل ، فبلغ من أذاهن إياك أن تحرقهن بالنار وإنما عضتك منها نملة ، فقال : يا ربّ إنّما عضتني تلك الواحدة بقوتهن (١) ، فعلم عزير أن هذا مثل ضربه الله له ، فقال عند ذلك عزير : يا رب أنت لا يدرك أحد كنه علمك وقدرتك ، فقال الله تعالى : يا عزير زعمت أنّي حكم عدل لا أجور بين عبادي ، وكذلك أنا ، وزعمت أنّي أعذب العامة بذنب الخاصة ، والأصاغر بذنب الأكابر ، يا عزير إنّي لا أعذب العامة بذنب الخاصة حتى يعملوا المنكر جهارا ، فلا يأمروا ولا ينهوا ، فأعذب الخاصة بالذنوب والمعاصي ، فأعجلهم إلى النار ، وأعاقب العامة بذنب الخاصة ، حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم يقدرون على ذلك ، فإذا كان يوم القيامة حاسبتهم بأعمالهم ، وكان الذين عجلت لهم العقوبة في الدنيا لما تركوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمّا الأصاغر فأقبضهم (٢) بآجالهم قبضا لطيفا إلى راحتي.
قال عزير : كذلك (٣) أنت إلهي ، فقال له ربه : قم يا عزير ، ارجع إلى قومك ، وانطلق إلى أهل بيتك (٤) ، فقم فيهم ، فقد شفعتك فيهم ، وأنا رادّهم إليها.
فجمعهم الله وخلّصهم من أيدي عدوهم ، فجمعهم في بيت المقدس في حسن حال حتى قبض الله إليه عزير ، فعتوا (٥) بعد ذلك ، وبغا بعضهم على بعض ، فجعلوا يخرجون من ليست له تبعة (٦) من ديارهم ، ويأخذون أموالهم ، فسلط الله عليهم بعد ذلك طططيس بن سبيس الرومي ، فغزا بيت المقدس ، فذلك قوله تعالى : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(٧).
فعادوا إلى البغي ، فأعاد الله عليهم العقوبة ، فغزاهم طططيس فهزمهم الله فقتل مقاتلتهم ، وحمى كنوز بيت المقدس ، وألقى فيه الجيف ، وحمل الأموال التي كانت فيها ، فهي في بيوت أموالهم بالروم ، ففيهم نزلت : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ)(٨) يعني أهل الروم ، فليس رومي يدخل بيت المقدس إلّا خائفا ، مستنكرا (٩) يستوحشه إذا نظر إلى بيت المقدس
__________________
(١) تقرأ بالأصل : «بقربهن» واللفظة بدون إعجام وغير واضحة في م ، والمثبت عن المختصر ١٧ / ٤٦.
(٢) الأصل وم : أقبضهم ، والمثبت عن المختصر.
(٣) الأصل : فذلك ، والمثبت عن م والمختصر.
(٤) كذا بالأصل ، وفي م : «وانطلق إلى مرتبتك» وفي المختصر : مدينتك.
(٥) الأصل : فبعثوا ، والمثبت عن م.
(٦) كذا ، وفي م : بيعة ، وفي المختصر : منعة.
(٧) سورة الإسراء ، الآية : ٨.
(٨) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.
(٩) عن م والمختصر ، وبالأصل : «متنكرا».