الشمس حتى صمحته (١) من فوق رأسه ، وسلّط عليه الرمضاء من تحت رجليه حتى بلغ مجهوده وأيقن بالهلاك ، فظنّ أنها عقوبة للذي سأل ، إذ رفعت له سحابة فعدا إليها وإذا تحتها نهر جار ، فاغتسل فيه ثمّ تروّح في ظلّها ، فغلبته عيناه ، فنام حتى استثقل (٢) نوما فسلّط الله عليه قرية النمل ، قال : فارتفعن على ساقيه فنخسته نملة منها ، فدلك إحدى رجليه على الأخرى ، فقتل نملا وذرّا كثيرا ، وانتبه ، فأوحى الله إليه ، فقال : يا عزير لم قتلت هذا النمل؟ قال : يا ربّ نخستني منها نملة ، قال : يا عزير نخستك نملة وقتلت نملا كثيرا وذرّا.
قال : ونا إسحاق [نا](٣) أبو إلياس إدريس عن وهب بن منبّه.
أن عزيرا قام شافعا إلى الله عزوجل في بني إسرائيل وذكر الذي أصابهم من عظم المصيبة والبلاء ، وما تتابع عليهم من الملك بخت نصر ، وأنطياخوس ، فقال : يا ربّ أنت خلقت الأرض بكلمتك ، وكانت على مشيئتك ، ثم خلقت فيها آدم بقدرتك جسدا ، ثم نفخت فيه من روحك ، فكان بشرا سويا ، ثم أسجدت له ملائكتك وأسكنته جنتك التي خلقتها بيدك ، ثم أمرته (٤) فعصاك وأخرجته من الجنة ، وقضيت عليه الموت وعلى ولده من بعده ، فلما عصاك وأخرجته من الجنة فلم يخرج منه للضعيف الذي به عصاك وأخرجت منه ذريته ، فلم يخرج ذلك الضعف من ذريته الذي يعصيك به الخاطئون ، ثم اخترت من ذريته نوحا وأهلكت به البرية بدعوته لكفرهم بك ، ثم اخترت من ولد نوح إبراهيم ، ومن ولد إبراهيم إسحاق ، ومن ولد إسحاق يعقوب ، ثم أخرجت آل يعقوب من مصر ورغبت بهم عنها ، وبوّأتهم الشام ، ثم أنزلت عليهم كتابك ، وعهدت إليهم عهدك ثمّ اخترت داود ، ثم سليمان من بعده ، فأمرت ببناء بيتك المقدس من مالك فسخّرت له في ذلك الإنس والجن والشياطين ، ذلك البيت ليذكر فيه اسمك ويسبحك فيه خلقك ، فعصاك أهل ذلك البيت ، وليسوا بأول من عصاك ، فعاقبتهم على معصيتك فسلّطت عليهم من قتل أنبيائك وحرق بيتك ، وأحرق آياتك الذي أنزلت ، وذلّل أولياءك وأعز أعداءك ، فعجب يا رب كيف أسلمت أولياءك وأعززت أعداءك ، وعجبت ما الذي ينفعنا أن نسمّى أولياءك ونحن عبيد لأعدائك ، وخول لأهل معصيتك فكيف هذا يا رب؟.
__________________
(١) صمحه الصيف : أذاب دماغه بحرّه (القاموس المحيط).
(٢) رسمها مضطرب بالأصل وقد تقرأ : «استقل» والمثبت عن م.
(٣) زيادة عن م لتقويم السند.
(٤) الأصل : «أمر به» والمثبت عن م.