ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه : يا عزير أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ قال : لا ، قال : أتستطيع أن تصرّ صرّة من الشمس؟ قال : لا ، قال أتستطيع أن تجيء بحصاة من الأرض السابعة؟ قال : لا ، قال : أتستطيع أن تجيء بمثقال من الريح قال : لا ، قال : أفتستطيع أن تجيء بقيراط من نور ، قال : لا ، قال : فكذا لا تقدر على الذي سألتني عنه ، إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، أما [إني](١) لا أجعل عقوبتك إلّا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر بينهم.
وهو نبيّ مرسل ، أو رسول ، الشك من أحمد بن يونس.
فلما أن بعث الله عيسى بن مريم فأنزل عليه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ويخلق من الطين كهيئة الطير ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فرأى مكانه من ربّه عزوجل قال : اللهم إنّك رب عظيم ، لو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله تعالى إليه : إنّي لا أسأل عما أفعل ، وهم يسألون ، إنّما أنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم ، وروح منّي ، خلقتك من تراب ثمّ قلت لك كن فكنت ، لئن لم تنته (٢) لأفعلنّ بك ما فعلت بصاحبك بين يديك ، فجمع الحواريين ومن معه ، فقال : إنّ القدر سر الله عزوجل فلا تكلفوا.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ، أنبأ محمّد بن أحمد بن رزقويه ، أنبأ أحمد بن سندي ، نا الحسن (٣) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنبأ إسحاق بن بشر ، أنبأ سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن (٤) ، وهشام بن حسان عن الحسن ، ومقاتل وجويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قالا :
أول من تكلّم من الأنبياء في القدر عزير ، قال : إنّ الله لما قرّب عبده موسى نجيا قال : يا ربّ ولو (٥) شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع وفي ذلك تعصى ، قال الله : يا موسى إنّي كذلك لا يسألني العباد عن ما أفعل وهم يسألون ، قال : فعاود ربّه فزجره ، فازدجر حتى إذا كان زمن عيسى وجاء بالآيات واتّخذ
__________________
(١) الزيادة عن م.
(٢) الأصل وم : تنتهي.
(٣) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.
(٤) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.
(٥) كذا ، وفي م : «لو» بدون «واو».