وافاه بسام بن إبراهيم في خمسة آلاف ، فأنزله على باب آخر.
وألحّ عليهم أبو العباس بالكتب يأمرهم بالمناجزة ، فأقاموا عليها ، قالوا : فأقام عبد الله بن علي محاصرا لدمشق خمسة أشهر ، وقال قومه : كان الحصار مائة يوم ، وقال قوم : كان الحصار شهرا ونصفا ، فلم يقدر عبد الله بن علي على شيء منها حتى وقعت العصبية بين اليمانية والمضرية ، فذكر من شهد يومئذ من أهل خراسان الذين كانوا مع عبد الله بن علي قال :
صففنا فصفّوا ، وإن أعيننا لتقتحمهم استقلالا لهم ، ونحن قد ملأنا الأرض فما شعرنا بشيء حتى أقبل جماعة منهم ببغال وأحمرة تحمل طوبا ، فقلنا : ما نراهم يصنعون بهذا؟ ثم جاءت مثلها تحمل حصى ثم جاءت دوابّ تحمل ماء ، ثم نخل الحصى وبلّ ، وقام البنّاءون فبنوا منارة في طرفة عين ، ونحن نراهم ونعجب ونقول : أيّ مكيدة هذه من مكايد اللقاء ، فما كان بشيء حتى ارتفع البناء وأناف ، وإذا رجل قد صعد إليه ، صيّت (١) ونادى : يا أهل دمشق ، ويلكم يا بني فلان ، عن من تقاتلون؟ عن مروان الذي قتل منكم فلانا وكان سيدكم ، وفلانا ، وفعل بكم كذا ، وقال فيكم كذا ، وشتمكم بكذا؟ قال : فلقد رأيت أولئك وهم يتأخرون وينكصون بعد أن أقدموا وكانوا في أول الصّفوف ، ثم خرجوا إلى آخرها ، ثم يقول يا أهل مدينة كذا وتسمى المدينة من مدن الشام ، ويلكم أنسيتم فعال مروان القبيحة فيكم؟ وما صنع بكم وقتل منكم؟ وهدم سور مدينتكم؟ فيعدد على أهل كل مدينة ما صنع مروان بهم ، فيفعلون من الانخزال أكثر مما فعل الأولون حتى اختلفوا بينهم وتلاعنوا في المسجد يوم جمعة ، وتضاربوا بالأيدي والنّعال ، ثم دسّت اليمانية إلى عبد الله بالرّسل بأنّا نفتح (٢) لك الباب الذي يلي عبد الصمد أخاك على أن تؤمّنا ، وتقتل أعداءنا المضرية ، ففعل وفتح له اليمانية الباب الشرقي وخرجوا إليه عليهم العمائم الصّفر ، وقالوا : هذا شعارنا ، فاقتل من ليس عليه مثله ، ودعا عبد الله أخاه عبد الصمد فقال له : ادخل المدينة فيمن معك من الجند وأهل خراسان فاقتلوا كل من لقيتموه إلّا من أعلم بصفرة ، فدخلها عبد الصمد ففعل ما أمره به فكان يفني أهلها ، ثم دعا عبد الله عبيد الله بن الحسن الطالبي فقال له : اكفني الأبواب ألّا يخرج منها أحد.
ثم دخل عبد الله مدينة دمشق وأهل خراسان يكبّرون وينادون يا محمّد ، يا منصور نكس
__________________
(١) أي عالي الصوت.
(٢) الأصل : يفتح ، والمثبت عن م.