تطلقه ، ولكن تحبسه محبسا كريما ، يشبه محبس مثلك مثله ، قال : فإنّي افعل ، فدعا الرشيد الفضل بن الربيع ، فقال : امض إلى عبد الملك بن صالح إلى محبسه ، وقل له : انظر ما تحتاج إليه في محبسك فأمر به حتى يقام لك ، فذكر قصته وما سأل.
قال : وقال الرشيد يوما لعبد الملك بن صالح في بعض ما كلّمه : ما أنت لصالح ، قال : فلمن أنا؟ قال لمروان الجعديّ ، قال : ما أبالي أيّ الفحلين غلب عليّ ، فحبسه الرشيد عند الفضل بن الربيع ، فلم يزل محبوسا حتى توفي الرشيد ، فأطلقه محمّد ، وعقد له على الشام ، فكان مقيما بالرّقّة ، وجعل لمحمّد عهد الله وميثاقه : لئن قتل وهو حيّ لا يعطي المأمون طاعته أبدا ، فمات قبل قتل محمّد ، فدفن في دار من دور الإمارة ، فلما خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن له : حوّل أباك من داري ، فنبشت عظامه وحوّلت. وكان قال لمحمّد : إن خفت فالجأ إليّ ، والله لأصوننّك.
وقيل (١) : بينا الرشيد يسير [و](٢) في موكبه عبد الملك بن صالح ، إذ هتف به هاتف وهو يساير عبد الملك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، طأطئ من إشرافه وقصّر من عنانه (٣) ، واشدد من شكائمه ، وإلّا أفسد عليك ناحيته ، فالتفت إلى عبد الملك فقال : تقول هذا يا عبد الملك؟ فقال عبد الملك : مقال باغ ، وتشويش (٤) حاسد ، فقال له هارون : صدقت ، نقص القوم وفضلتهم ، وتخلّفوا وتقدّمتهم حتى برز شأوك ، وقصّر عنه غيرك ، ففي صدورهم جمرات التخلّف ، وحزازات البغض (٥) ، فقال عبد الملك : لا أطفأها الله وأضرمها عليهم حتى تورثهم (٦) كمدا دائما أبدا.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم عنه ، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم ، أنا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، حدثني حسن بن الفهم ، نا محمّد بن أيوب ... (٧) ، عن أبيه ، قال : قال إبراهيم بن المهدي :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٦.
(٢) الزيادة عن الطبري.
(٣) الأصل : عتابه ، والمثبت عن م والطبري.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي الطبري : دسيس.
(٥) الأصل وم ، وفي الطبري : النقص.
(٦) في الأصل : يورثهم ، والمثبت عن م والطبري.
(٧) غير مقروءة بالأصل وم ورسمها : المسى.