وحط رحله ، ثم رقد ، فاستيقظ فرأى على حلسه (١) مثل الشبر أو فويق الشبر ، قال : فنفضه عن الحلس ، فطفق ينتقل على متاع الرحل حتى صار على الخشبة ، كلّ ذلك ينفضه ابن الزبير فيلقيه (٢) عينه ، ثم قال ابن الزبير : من أنت؟ قال : أنا أزبّ الشجرة ، قال : افتح فاك حتى أنظر إلى أسنانك ، قال : ففتح فاه فأدخل ابن الزبير اصبعه في فيه ، فطفق يجليها في فيه ، قال : فإذا أسنانه كلها أنياب ، قال : ثم اغترز ابن الزبير في رحله وأثار راحلته ، قال : وطفق ذلك يطول معه حتى ساوى برحله ، قال : ثم غفل عنه ابن الزبير ، فسمعته وهو يقول حين فقدته : لله درّك يا ابن الزبير أي رجل أنت ، قال : فما دخلتني منه وحشة حتى توارى عني ، فإنّي وجدت قشعريرة حين فقدته ، أو قال : حين توارى عني.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد ، حدّثني أبو بكر بن زنجويه ، حدّثني أحمد بن شبّويه ، حدّثني سليان ـ يعني ابن سلمويه ـ صاحب ابن المبارك ، قال : قرأت على ابن المبارك ، عن إسحاق بن يحيى ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال :
أقبل عبد الله بن الزبير من العمرة في ركب من قريش فيهم عبد الرّحمن بن أبي ربيعة المخزومي ورهط من قريش حتى إذا كانوا بالكديد (٣) قال ابن الزبير : رأيت رجلا تحت التناضب (٤) ـ يعني شجرا ـ فقال ابن الزبير : ألا تقدم أبغيكم لبنا؟ قالوا : بلى ، فأقبل ابن الزبير حتى أتاه ، قال : فسلّمت عليه ، قال : وعليك السلام ، قال ابن الزبير : والله ما رأيتني أتيت أحدا إلّا رأيت له مني هيبة غيره ، فلمّا دنوت منه وهو في ظلّ قد كاد (٥) يذهب ولم يتحرك ، فضربت برجلي وقلت : انقبض إليك إنّك لشحيح بظلك ، فانحاز متكارها ، فجلست فأخذت بيده ، وقلت : من أنت؟ قال : رجل من أهل الأرض
__________________
(١) الحلس : بالكسر ، كساء على ظهر البعير تحت البرذعة ، ويبسط في البيت تحت حر الثياب (القاموس المحيط).
(٢) كذا بالأصل وم.
(٣) الكديد : فيه روايتان : الأولى رفع (كذا) أوله وكسر ثانيه ، والثانية : الكديد مصغرا : موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة (معجم البلدان).
(٤) التناضب : انظر في ضبطه وموقعه معجم البلدان.
(٥) في م : كان.