وهو يقول : اللهمّ أنت الراعي لا تهمل الضالّة ، ولا تدع الكسير بدار مضيعة ، فقد ضرع الصغير ورقّ الكبير وارتفعت الشكوى ، وأنت تعلم السرّ وأخفى ، اللهمّ فاغثهم (١) بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا ، فإنه لا ييأس (٢) من روحك إلّا القوم الكافرون ، فنشأت طريرة (٣) من سحاب فقال الناس : ترون ، ترون ثم تلامت واستتمت ونشب فيها ريح ، ثم هدرت ودرّت ، فو الله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء ، وقلّصوا المآزر ، وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون : هنيئا لك ساقي الحرمين.
يروى حديث استسقاء عمر بالعبّاس من وجوه بألفاظ مختلفة ، وهذا أتمها وهو رواية أبي يعقوب الخطابي ، عن أبيه ، عن جده.
قوله : قفية (٤) آبائه : يريد تلوهم وتابعهم ، وهو من قفوت الرجل إذا تبعته وكنت في أثره ، يقال : هذا قفيّ الأشياخ وقفيهم (٥) إذا كان الخلف منهم.
وكبر رجاله : أي أقعدهم في النسب وقد تقدم تفسير ذلك.
وقوله فقد دلونا به إليك : أي متتنا واستشفعنا ، وأصله من الدلو. لأن الدلو به يستقى الماء وبه يوصل إليه ، وكأنه قال : قد جعلناه الدلو إلى ما عندك من الرحمة والغيث.
وقوله : وسبائبه تجول على صدره وهو جمع سبيبة مثل كتيبة وكتائب ، والسبائب خصل الشعر ، وقد يجمع أيضا سبيب ، قال الشاعر :
ينفضن أفنان السبيب والقدر (٦)
وأراد وذوائبه تجول على صدره ، وهذا يدل على أن العبّاس كان ذا جمّة فينانة.
وقوله : لا يهمل الضالّة هذا ضربه كالراعي الحسن الرعية إذا ضلّت ضالّة من غنمه لم يدعها تذهب ، ولكنه يطلبها حتى يردّها ، وإذا أصاب شاة منها كسر لم يخلفها
__________________
(١) في م : اللهم غثهم.
(٢) في م : فإنه ييأس.
(٣) القطعة من السحاب ، تصغير طرّة.
(٤) كذا بالأصل هنا ، وفي م : «ففيه» وقد مرّ قريبا : «بقية آبائه» ولاحظنا أن قفية آبائه عبارة إحدى النسخ.
(٥) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : وقفيتهم.
(٦) في تهذيب اللغة للأزهري ١٥ / ٤٦٦ (مادة قنن) بدون نسبة ، وفيه : والعذر بدل والقدر.