وعدم إهمالها رأسا ، كما أشرنا إليها (١). ولا شبهة في أنّ الظنّ بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ ـ لكونه أقرب في التوسّل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام ـ من الظنّ بالطريق ، فلا أقلّ من كونه مساويا فيما يهمّ العقل من تحصيل الأمن من العقوبة في كلّ حال. هذا ، مع ما عرفت (٢) من أنّه عادة يلازم الظنّ بأنّه مؤدّى طريق ، وهو بلا شبهة يكفي ولو لم يكن هناك ظنّ بالطريق ، فافهم فإنّه دقيق.
ثانيهما : ما اختصّ به بعض المحقّقين (٣). قال : «لا ريب في كوننا مكلّفين بالأحكام الشرعيّة ، ولم يسقط عنّا التكليف بالأحكام الشرعيّة ، وأنّ الواجب علينا أوّلا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمّة في حكم المكلّف ، بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمّتنا عمّا كلّفنا به وسقوط تكليفنا عنّا ، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أولا ، حسبما مرّ تفصيل القول فيه. فحينئذ نقول : إن صحّ لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمّتنا في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به ، وإن انسدّ علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظنّ بالبراءة في حكمه ، إذ هو الأقرب إلى العلم به ، فيتعيّن الأخذ به عند التنزّل من العلم في حكم العقل ـ بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف ـ دون ما يحصل معه الظنّ بأداء الواقع كما يدّعيه القائل بأصالة حجّيّة الظنّ» انتهى موضع الحاجة من كلامه ـ زيد في علوّ مقامه ـ (٤).
__________________
ـ خصوصها أو في مطلقها ، فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظنّ بالطريق بما هو كذلك ، وإن كان يكفي لكونه مستلزما للظنّ بكون مؤدّاه مؤدّى طريق معتبر ، كما يكفي الظنّ بكونه كذلك ولو لم يكن ظنّ باعتبار طريق أصلا ، كما لا يخفى. وأنت خبير بأنّه لا وجه لاحتمال ذلك ، وإنّما المتيقّن هو لزوم رعاية الواقعيّات في كلّ حال بعد عدم لزوم رعاية الطرق المعلومة بالإجمال بين أطراف كثيرة ، فافهم. منه [أعلى الله مقامه].
(١) راجع الصفحة : ٣٥٩ من هذا الجزء ، حيث قال : «وذلك لأنّ إهمال معظم الأحكام ...».
(٢) قبل أسطر.
(٣) وهو المحقّق الشيخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ صاحب الحاشية على المعالم ، وهو من تلامذة الشيخ العلّامة أسد الله التستريّ.
وهذا الوجه هو أوّل الوجوه الثمانية الّتي أقامها على حجّيّة الظنون الخاصّة.
(٤) انتهى كلامه مع اختلاف يسير في الألفاظ. راجع هداية المسترشدين : ٣٩١.