وأنت خبير بأنه ليس فى عبارة المواهب المذكورة ما يصرح بنفى حج إسحاق صلىاللهعليهوسلم وإنما الذى فيها أن الذبح كان بمكة لا بالشام ، ولو كان المذبوح إسحاق لكان الذبح بالشام ولكانت القرابين بها ، وتبعد كل البعد مع قطع النظر عن النص أن تخلف إسحاق عن الحج مع كون البانى لهذا البيت والمؤذن بالحج والده إبراهيم صلىاللهعليهوسلم مع أن هذا الدليل قناعى ، إذ لا تنافى بين كون الذبيح إسحاق وأن يكون الذبح بمكة لجواز أن يقع له ذلك وهو حاج بها ، على أن القائل بأنه إسحاق يرى أن الذبح ليس بمكة بل على صخرة بيت المقدس كما صرح به الزركشى فى الأعلام (١) ، فإنه صرح بأن صخرة بيت المقدس كالحجر الأسود ، ولما فدى إسماعيل بالكبش ذبحه إبراهيم عليهالسلام عليها فاختار الله تعالى ذلك الموضع لقربان خليله عليهالسلام ومن عليه بفداء ابنه فهو محل الرحمة انتهى. لكن فى قول الزركشى أن المفدى إسماعيل مع كون الذبح بالصخرة قول ملفق من قولين ، ولا يلزم من كون ذبح القربان وقع بالصخرة أن لا تكون القرابين بمكة يوم النحر ؛ لأن ذلك أمر تعبدى ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : «سرنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال : أى واد هذا : قالوا : وادى الأزرق ، فقال : كأنى أنظر إلى موسى واضعا أصبعيه فى أذنيه له جواز إلى الله تعالى بالتلبية مارا بهذا الوادى ، حتى أتينا على ثنية فقال : ما هذه الثنية ، قالوا : ثنية هرشا ، فقال ، كأنى أنظر إلى يونس على ناقة حمراء خطام ناقته ليف خلبة وعليه جبة له من صوف يهل مارّا بهذه الثنية ملبيا» رواه الشيخان وابن حبان ، قال الشامى فى ضبط غريب ما تقدم الجؤار بجيم مضمومة فهمزة مفتوحة رفع الصوت بالاستغاثة ، وقوله : ثنية هرشا بهاء مفتوحة وراء ساكنة فشين معجمة مفتوحة فائق مقصورة جبل قريب من الجحفة ، وقوله : ليف خلبة بخاء معجمه مضمومة فلام ساكنه فباء موحدة مفتوحة يروى بتنوين الكلمتين على البدل وبإضافة الأول للثانى ، قال فى التقريب ، وكأنه على الإضافة مقلوب فى الصحاح الخلب حبل رقيق من ليف أو قنب فالوجه بخلبة ليف انتهى.
__________________
(١) ص ٦٩.