المذكورة أنه استقبل كلا منهما قبل الإسراء فليتأمل ، وقال ابن العماد فى الدرة الضوية فى هجرة خير البرية : كان تحويل القبلة فى السنة الثانية ، قال النووى : وكان صلىاللهعليهوسلم مأمورا بالصلاة إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ، ثم قال معترضا على النووى فى ذلك بأنه قد جزم البغوى بخلافه فقال فى تفسير قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ)(١) الآية كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه يصلون بمكة إلى الكعبة ، فلما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يصلى نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم ما يجدون من نعته فى التوراة ، فصلى إليها ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة ؛ لأنها كانت قبلة إبراهيم ، وقال مجاهد ، كان يحب ذلك من أجل أن اليهود كانوا يقولون : يخالفنا ويصلى إلى قبلتنا ، فقال صلىاللهعليهوسلم لجبريل وددت لو حولنى الله إلى الكعبة ، فقال له سل ربك ، فجعل صلىاللهعليهوسلم يديم النظر إلى السماء ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) الآيات انتهى بنصه.
وما جزم به البغوى من أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى بمكة إلى الكعبة هو المعتمد وعليه أكثر المفسرين وأصحاب السير ، واختلف العلماء هل كان ذلك باجتهاده أو بأمر من ربه؟ وهذا تفريع على الأصح فى أنه عليه الصلاة والسلام لم يتعبد بشرع غيره بعد البعثة.
وأما الجواب عن قوله : وهل جميع الأنبياء حجوا إليها أو تخلف البعض؟ فهو أن العلامة السيوطى ذكر فى بعض كتبه أن جميع الأنبياء حجوا البيت إلا هودا وصالحا فإنهما تشاغلا بأمر قومهما فماتا ولم يحجا ، وأن آدم لما حج حلق جبريل رأسه بياقوتة من الجنة ، وكان السيوطى تمسك بحديث ما من نبى إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح ، لكن قد صرح هو بأن إسناده ضعيف ، وقال ابن حجر فى شرح الهمزيه إن استثناء صالح وهود لم يصح ، وروى الأزرقى عن عبد الرحمن بن سابق مرسلا عن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : كان النبى من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى فيها ومن معه حتى يموت ، فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب وقبورهم بين زمزم والحجر وروى ابن
__________________
(١) البقرة : آية (١١٤).