فيما قبلها ففى إعادة الضمير إليه تعالى دون كل رد الضمير إلى غير من هو أولى به ومنعه من القريب منه لا بوجه الثالث أنه لو عاد الضمير إليه تعالى لقال : «هو موليه إياها» هذا وجه الكلام كما قال تعالى : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى)(١) فوجه الكلام أن يقال : ولاه القبلة ، ولا يقال : ولى القبلة إياه ، انتهى كلام ابن القيم فى كتابه المذكور نقلناه مع طوله لنفاسته جدا. هذا واعلم أنه قد ذكر العلماء فى توجهه صلىاللهعليهوسلم فى الصلاة إلى بيت المقدس وهو بمكة أقوالا ، فقالت طائفة : ما صلى إلى بيت المقدس إلا منذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا ، قال الإمام اليعمرى المحدث الشهير بابن سيد الناس : ويزعم أناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس انتهى ، فعلى هذا يكون فى القبلة نسخان نسخ سنة بسنة ، ونسخ سنة بقرآن ، وعلى هذا فلا تصح هذه الحكمة التى ذكرت فى الإسراء إلى بيت المقدس فى أنه أراد أن يريه القبلة التى صلى إليها مدة ؛ لأنه على هذا لم يكن صلى إلى بيت المقدس وهو بمكة ، فكيف يقال : أراد أن يريه القبلة التى صلى إليها مدة كما عرفت الكعبة مع كون الإسراء قبل الهجرة وهو بمكة؟ وذهبت طائفة إلى أنه صلى لبيت المقدس وهو بمكة قبل الهجرة ، لكن روى عن ابن عباس من طرق صحاح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس ، وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فلما كان صلىاللهعليهوسلم يتحرى القبلتين جميعا لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة ، وعلى هذا لا يصح قولهم فى بيان حكمة الإسراء به صلىاللهعليهوسلم إلى بيت المقدس أولا أن الله أراد أن يريه القبلة التى صلى إليها مدة ، كما عرف الكعبة ، فإن ظاهره أن الصلاة لبيت المقدس حصل له صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة استقلالا ، ثم نسخ ذلك قبل الإسراء مع أنه استمر يصلى إليها على هذا القول حتى هاجر ، ومع هذا فكان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فهذه الحكمة مشكلة على كلا القولين ، وقال ابن شهاب : وزعم ناس والله أعلم أنه كان يسجد نحو بيت المقدس ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة ، وهو على هذا أيضا مشكل لا يناسبه قوله : أراد أن يريه القبلة التى صلى إليها مدة ، كما عرف الكعبة التى صلى إليها ؛ إذ مقتضى هذا القول أنه قبل هجرته لم يصل إلا إلى بيت المقدس ولم يستقبل الكعبة ، ومقتضى الحكمة
__________________
(١) النساء : (١١٥).