وذكر المحقق الصفوى فى شرح الشفا عند تفسير قوله تعالى : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ)(١) الآية أنه تعالى شبه نور إبراهيم صلىاللهعليهوسلم بالنار وإبراهيم بالشجرة ، أو شبه نوره بالشجرة ، فإن الإيمان له أصل ونوع وآثار وثمار ، وحينئذ قوله : «لا شرقية» تشبيه لكونه ليس يهودى ولا نصرانى فإن قبلة اليهود المغرب والنصارى المشرق انتهى. فقوله : فإن قبلة اليهود إلخ ، لا يقتضى أنها كذلك فى شريعتهم قبل النسخ بل هذا فى جعلهم كما صرح به الإمام محمد ابن أبى بكر بن أيوب الزرعى الحنبلى بن القيم فى السفر الثاني (٢) فى بدائع الفوائد حيث قال ما نصه : قال أبو القاسم وكرر البارى تعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام فى ثلاثة آيات ؛ لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف من الناس ، اليهود ولأنهم لا يقولون بالنسخ فى أصل مذهبهم ، وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له ؛ لأنه كان أول نسخ نزل ، وكفار قريش قالوا : ندم محمد على فراق ديننا فرجع إليه كما رجع لقبلتنا ، وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون : يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل وقد فارق قبلة إبراهيم وإسماعيل وآثر عليها قبلة اليهود ، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)(٣) على الاستثناء المنقطع أى لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون ، وقل الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين أى من الذين شكوا وامتروا ، ومعنى الحق من ربك الذى أمرتك به من التوجه إلى البيت الحرام هو الحق الذى كان عليه الأنبياء قبلك فلا تمتر فى ذلك فقال : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ)(٤) وقال : «وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون» : أى يكتمون ما علموا من أن الكعبة هى قبلة الأنبياء ، وقال خالد بن يزيد : إنى لأقرأ الكتاب الذى أنزله الله على محمد صلىاللهعليهوسلم والتوراة التى أنزلها الله ليس فيها هذه القبلة ، ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة ، فلما غضب الله عزوجل على بنى إسرائيل رفعه ، فكان صلاتهم إلى الصخرة عن مشاورة منهم ، وروى
__________________
(١) سورة النور آية (٣٥).
(٢) انظر بدائع الفوائد ٢ / ١٢٠.
(٣) سورة البقرة آية (١٥٠).
(٤) سورة البقرة : آية (١٤٤)