مطلقا ، وكان استقباله صوابا فى غير المسجد فصح أنه أسر من إبراهيم عليهالسلام أيضا قبلة ، على أن التمييز بمعنى الفاعل فتقديره : وقبلته أسر من سائر القبلات انتهى المقصود منه ، وهذا منه بناء على أن الصلاة فى غير المسجد من خواص نبينا صلىاللهعليهوسلم وكذا أمته صلىاللهعليهوسلم دون باقى الأنبياء لقوله صلىاللهعليهوسلم : «جعلت لى الأرض مسجدا» قال القاضى عياض : لأن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا فى موضع يتيقنون طهارته ، ونحن خصصنا بجواز الصلاة فى جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته ، وقال القرطبى : هذا ما خص الله تعالى به نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وكانت الأنبياء قبله إنما استنجت لهم الصلاة فى مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس ، وقال المهلب فى شرح البخارى : المخصوص به صلىاللهعليهوسلم جعل الأرض طهورا ، أما كونها مسجدا فلم يأت فى أثر أنها منعت من غيره ، وقد كان عيسى عليهالسلام يسبح فى الأرض ويصلى ولم تجعل له طهور انتهى. قال الزركشى وهذا هو الظاهر من حديث جابر وأبى هريرة رضى الله عنهما فى عدة الطهور والمسجد فى حكم الواحد انتهى. وقد رد ابن حجر تبعا لغيره كلام الزركشى فقال : وفى الحديث : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل» الحديث والمراد بقوله : مسجدا موضع سجود أى أن السجود لا يختص بموضع منها دون غيره ، قيل : ويمكن أن يكون مجازا عن المكان الذى للصلاة وهو من مجاز التشبيه ؛ لأنه لما جازت الصلاة فى جميعها كانت كالمسجد فى ذلك ، وقيل : المراد جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ولغيرى مسجدا لا طهورا ؛ لأن عيسى صلىاللهعليهوسلم كان يسبح فيها ويصلى حيث أدركته الصلاة وقيل المراد أن الصلاة لم تبح إلا فى محل يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة أبيحت لها فى كل الأرض إلا ما يتيقنون نجاسته ، والأصح الأول وهو أنها لم تبح لمن قبلنا إلا فى أماكن مخصوصة كالبيع والكنائس والصوامع للخبر المصرح بذلك ، وكان من قبلى إنما يصلون فى كنائسهم وتوافقه رواية : «ولم يكن من الأنبياء أحد يصلى حتى تبلغ محرابه» وبهذين يرد الاحتجاج بقصة عيسى صلىاللهعليهوسلم المذكورة بمنع ما ذكر فيها لدلالة هذين على خلافه وبفرض صحته فهو لا ينافى الخصوصية لأنها ثابتة لنبينا صلىاللهعليهوسلم ولأمته بخلاف سيدنا عيسى صلىاللهعليهوسلم.