وذكر أيضا فى تفسير قوله تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(١) أى يكتمون ما علموا من أن الكعبة هى قبلة الأنبياء انتهى. وذكر الكواشى فى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)(٢) الآية أن سبب نزولها أن اليهود لما قالوا للمسلمين : قبلتنا قبل قبلتكم ، أنزل الله الآية ، وذكر بعض العلماء أن الدليل على أن الكعبة قبلة بجميع الأنبياء أن تكليف الصلاة كان لازما فى دين جميع الأنبياء عليهمالسلام بدليل قوله فى سورة مريم : «أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح» إلى قوله : (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(٣) فدلت الآية أن جميع الأنبياء كانوا يسجدون لله ، والسجدة لا بد لها من قبلة ، فلو كانت قبلة شيث وإدريس ونوح عليهم الصلاة والسلام موضعا آخر سوى القبلة لبطل قوله : «إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة» لأن أل فى الناس للاستغراق ، فهو موضع لجميع الناس فيقتضى كونه مشتركا فيه بين جميع الناس ، فأما سائر البيوت فيكون كل واحد منها مختصا بواحد من الناس فلا يكون شىء من البيوت موضعا للناس ، وكون البيت مشتركا فيه بين كل الناس لا يحصل إلا إذا كان البيت موضع الطاعات والعبادات وقبلة للخلق أنزل قوله : «إن أول بيت وضع للناس» (٤) على أن البيت وضعه الله موضعا للطاعات والخيرات والعبادات ليدخل فيه كون هذا البيت قبلة للصلاة وموضعا للحج فيه ، وحينئذ فوجب أن يقال : إن قبلة أولئك الأنبياء المتقدمين هى الكعبة فدل هذا على أن هذه الجهة كانت أبدا مشرفة مكرمة ، قال القاضى البيضاوى فى تفسير قوله تعالى من سورة يونس : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا)(٥) أن اتخذا لقومكما بمصر بيوتا تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة ، واجعلوا أنتما وقومكما بيوتكم تلك البيوت قبلة مصلى ، وقيل مساجد متوجة نحو القبلة يعنى الكعبة ، وكان موسى يصلى إليها انتهى ، ولكن وقع فى ديباجة المواقف التعبير بقوله : وأسرهم قبلة ، أى أصوبهم قبلة قال مولانا حسن فى حواشى المواقف : الوجه فى أنه عليه الصلاة والسلام أصوب قبلة بالنسبة إلى إبراهيم صلىاللهعليهوسلم وإن كان قبلته أيضا الكعبة إلا أنه لم يشرع له التوجه إليها للصلاة فى غير المسجد وشرع لرسولنا عليهالسلام
__________________
(١) البقرة : آية (١٤٦).
(٢) آل عمران : آية (٩٦).
(٣) مريم : آية (٥٨).
(٢) آل عمران : آية (٩٦).
(٤) يونس : آية (٨٧).