فأخبرهم بذلك فقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون. نخشى أن يكون صاحبك من أهل النار ، اذهب إلى اليمن فإن بها بئرا اسمها برهوت يجتمع فيها أرواح المعذبين ، وهى على فم جهنم فاطلع فيها إذا مضى ثلث الليل أو نصفه ، وناد يا فلان بن فلان أنا صاحب الوديعة قال : فمضيت إلى تلك البئر فاذا أنا بشخصين قد جاءا فنزل فيها وهما يبكيان ، فقال أحدهما للآخر. من أنت؟ قال : أنا روح رجل ظالم كنت أضمن المكوس وآكل الحرام ، فرمانى ملك الموت إلى هذه البئر أعذب فيها ، وقال الآخر : أنا روح عبد الملك بن مروان كنت عاصيا ظالما وأنا أعذب فى هذه البئر ثم سمعت لهما صراخا ، فقامت كل شعرة فى بدنى من الفزع.
ثم تطلعت فى البئر وناديت يا فلان ، فأجابنى من تحت العقوبة والضرب ، فقلت : ويحك يا أخى ، ما الذى أنزلك ها هنا؟ وبأى ذنب جئت إلى منازل الأشقياء ، وقد كنت صاحب خير؟ قال : بسبب أختى كانت صعلوكة ، وهى بأرض العجم فاشتغلت عنها بالمجاورة بمكة والعبادة وما كنت أفتقدها بشىء ولا أسأل عنها ، فلما مت حاسبنى الله عزوجل عنها ، وقال : نسيتها ، تعرى وأنت تكتسى ، وتجوع وأنت شبعان مكتفى. وعزتى وجلالى : إنى لا أرحم قاطع الرحم ، اذهبوا به إلى بئر برهوت. فأنا معذب مع قطاع الرحم فى هذه البئر ، فعساك يا أخى تذهب إليها وتشرف على حالها وتطلب لى منها أن تجعلنى فى حل ، فليس لى ذنب عند الله سوى هذا.
قال فقلت له : أين مالى الذى أودعته عندك؟ فقال : هو على حاله وإنى لم أثق عليه أولادى ولا غيرهم ، فدفنته فى بيتى تحت العتبة فى الموضع الفلانى فاذهب إلى أولادى وقل لهم يدخلوك دارى ، فاحفر فإنك ستجد مالك.
قال فمضيت إلى الموضع الذى قال لى عنه ، فحفرته فوجدت ذهبى على حاله كما ربطته ، فأخذته ومضيت إلى بلاد العجم ، فسألت عن أخته ، واجتمعت بها وحدثتها حديثه فبكت وجعلته فى حل ثم شكت إلىّ القلة والضرورة فوهبتها شيئا من الدنيا ، وانصرفت راجعا إلى مكة شرفها الله تعالى ، فلما كان نصف الليل جئت إلى زمزم ، وناديت : يا فلان ، فقال : لبيك ، جزاك الله عنى خيرا.