وعن عمر رضى الله عنه أنه قال : لخطيئة أصيبها بمكة أعز على من سبعين خطيئة بغيرها. وذهب الشافعى وأحمد وغيرهما من العلماء منهم أبو يوسف ومحمد من أصحابنا وابن القاسم من المالكية إلى استحباب المجاورة بها لما يحصل فيها من الطاعات التى لا تحصل فى غيرها وتضعيف الصلوات والحسنات وغير ذلك والفتوى عندنا على قول الصاحبين كما صرح به الفارسى فى منسكه عن المبسوط والدليل على الاستحباب ما تقدم من حديث أبى الحمراء وقول عائشة فلا نعيده.
فائدة : قال ابن الجوزى فى «مثير العزم» بلغ عدة من استوطن مكة من الصحابة أربعة وخمسين رجلا ومن التابعين جماعة كثيرة. وقد جاور بها عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله رضى الله عنه.
تنبيهان :
الأول : ما تقدم من الكلام محله فى المجاورة فقط من غير سكنى ، وأما السكنى والانقطاع فهو بالمدينة أفضل ، ويشهد له ما ثبت من حديث ابن عمر أن النبىصلىاللهعليهوسلم قال : لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة. وفى الصحيحين : اللهم حبب إلينا المدنية كحبنا مكة وأشد ، وصححها وبارك لنا فى صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة. وهى رابغ ، ولم يرد فى سكنى مكة شىء من ذلك بل كرهه جماعة من العلماء كما سبق.
الثانى : روى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : من مات بالمدينة كنت له شفيعا يوم القيامة. وفى الترمذى من حديث عمر مرفوعا : من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإنى أشفع لمن يموت بها. فالموت حينئذ بالمدينة الشريفة أفضل من الموت بمكة لهذه الأحاديث ، ولأنه من لازم أفضلية السكنى بها على السكنى بمكة المشرفة ، وإن كان قد ورد ما يقتضى أن الموت بمكة فيه فضل عظيم كذا فى «منسك» الجد نور الله ضريحه ، والله تعالى أعلم.