ثم ما أعلم بلدة ينزل فيها كل يوم من رائحة الجنة وروحها ما ينزل بمكة.
وإياك يا أخى ، ثم إياك أن تخرج من مكة ، فلو أنه لم يدخل عليك كل يوم غير فلسين حلالا لكان خيرا لك من ألفين فى غيرها. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. انتهى ما نقل من «الرسالة».
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : لو لا الهجرة لسكنت مكة ، إنى لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ، ولم يطمئن قلبى ببلد قط ما اطمأن بمكة ، ولم أر القمر بمكان قط أحسن منه بمكة أخرجه الأزرقى.
ويروى أن قريشا وجدوا فى الركن أو الكعبة كتابا بالسريانية فلم يدروا ما فيه حتى قرأه لهم رجل من اليهود فاذا فيه : أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها مبارك لأهلها فى الماء واللبن ، وفى رواية أخرى فى الماء واللحم. والأخشبان هما جبلان : أبو قبيس والمقابل له ومكة بينهما.
فصل فيما يدل على أفضلية مكة على غيرها من البلاد
(اعلم) أن العلماء أجمعوا على أن مكة والمدينة زادهما الله شرفا وتعظيما أفضل بقاع الأرض ، ويليهما بيت المقدس ، ثم مكة أفضل من المدينة عندنا ، وعند الشافعية والحنابلة ووهب وابن حبيب من المالكية وهو قول الجمهور ، وروى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم ويستدل على ذلك بأمور (منها) ما تقدم من الآيات.
(ومنها) أن الله تعالى اختار من ولد آدم الأنبياء بجملتهم ثم اختار منهم الرسل ، ثم اختار منهم أولى العزم وفيهم أقوال وهم خمسة على الأكثر ذكرهم الله فى سورتى الأحزاب والشورى ، والمراد بالعزم الحزم والصبر كذا قاله المفسرون.
ثم اختار منهم خليله وحبيبه إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم واختار لهما من الأماكن خيرها وأشرفها وهى مكة جعلها الله مناسك لعباده مشاعر لوفده وقصاده ، وأوجب الإتيان إليها من القرب والبعد ودخولهم إليها متواضعين متخشعين متذللين كاشفين رءوسهم مجردين عن لباس أهل الدنيا فهى خير البلاد وأشرفها.