وأبى قوم أن يبيعوا فهدم عليهم فصاحوا به ، فقال لهم : إنما جرأكم على حلمى عنكم فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد ، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم وجعل عثمان للمسجد أروقة فكان أول من اتخذ الأروقة له (١).
ولم يذكر الأزرقى السنة التى وسع فيها عمر رضى الله عنه المسجد الحرام وهى سنة سبع عشرة من الهجرة ، ولا السنة التى وسع فيها عثمان رضى الله عنه وهى سنة ست وعشرين من الهجرة.
ثم قال الأزرقى : فلما كان زمن عبد الله بن الزبير زاد فى المسجد زيادة كبيرة واشترى دورا من جملتها بعض دار الأزرقى جد الأزرقى صاحب «تاريخ مكة» واشترى ذلك البعض ببضعة عشر ألف دينار ، ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكنه رفع جداره وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة وجعل فى رأس كل أسطوانة خمسين مثقالا (٢) ذهبا.
ثم إن الوليد بن عبد الملك المتقدم وسع المسجد ونقض عمل أبيه وعمله عملا محكما ، وسقفه بالساج المزخرف وأزر المسجد من داخله بالرخام ، وجعل له شرفا ، وجعل فى وجوه الطيقان من أعلاها الفسيفساء وهو أول من جعلها بالمسجد الحرام وأول من نقل إليه أساطين الرخام (٣).
تنبيه : قول الأزرقى : الوليد أول من نقل إليه أساطين الرخام. قال الفاسى رحمهالله : قد نقل الأزرقى ما يفهم خلاف ذلك لأنه ذكر فى عمل عبد الملك أنه جعل فى رأس كل أسطوانه خمسين مثقالا من الذهب وهذا يقتضى وجود الأساطين قبل الوليد فتكون من عمل ابن الزبير أو عبد الملك. وعلى كلا الأمرين فهو مخالف لما ذكره الأزرقى من أن الوليد بن عبد الملك أول من حمل إليه ذلك (٤). والله أعلم بالصواب. انتهى بمعناه.
أقول : يمكن الجمع بين كلامى الأزرقى وترتفع المخالفة التى ذكرها الفاسى ، وذلك أن الأزرقى رحمهالله لم يذكر أن الأساطين التى فى رءوسها المثاقيل الذهب فى أيام عبد الملك كانت من رخام ليتجه ما قاله الفاسى ، ولا خصوصية أيضا لتسمية الأساطين بما كان من الرخام فيحتمل أنها كانت من آجر أو من حجارة أو من خشب ويؤيد ذلك ما تقدم فى
__________________
(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٦٩.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٦٩ وما بعدها.
(٣) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٧١.
(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٣٦٢.