راجعين من الحج «والقيروان لممالك شمال إفريقيا طريق قويم ومركز خصب ونعيم» من عالم عصره سيدي أبي عمران الفاسي سنة ٤٣٠ بأن يرسل معهم من يفقههم في الدين فكتب إلى تلميذه واجاج اللمطي من أهل السوس الأقصى في ذلك ، وهذا أرسل معهم أحد تلامذته وهو عبد الله بن ياسين الجزولي الذي آل أمره بعد التعليم إلى تأسيس دولة المرابطين بمراكش التي أقام دعايمها ووسع فتوحاتها يوسف بن تاشفين. ورحل في أواخر القرن الثالث من القيروان إلى الأندلس أبو جعفر محمد بن هارون البغدادي يصحب الناس ويجالس أهل الأدب ، وكان بعد رجوعه وولايته الكتابة على عهد عبيد الله المهدي ثم ديوان البريد ، يحافظ على من جاز به قاصدا إلى الحج من خلطائه بقرطبة ويكرمهم. وأهل القيروان إلى الآن أصحاب كرم وبر بالضيوف.
وبانتقال مقر الحكومة إلى تونس على عهد الدولة الحفصية ، من أول القرن السابع صار أهالي القيروان وبالأحرى من سواهم يرحلون إلى تونس وينالون منها المعارف والوظائف. ونبغ كثير منهم وأفادوا ، وربما طابت الإقامة لبعضهم فيها وأحرزوا على أعالي الرتب. فمنهم أبو القاسم البرزلي تلميذ ابن عرفة ، ولي الفتيا بتونس ، وكان يعرف بشيخ الإسلام وتوفي فوق الأربعين وثمانمائة. وفي ذلك العصر كان قاضي الجماعة بتونس من القيروان أيضا وهو يعقوب بن يوسف الزعبي قاضي القيروان في أول الأمر ، وولي تلك الخطة السامية بتونس بعد القاضي الغبريني. وفي القرن العاشر والحادي عشر كان دور الترحال للعلماء الأجلاء من آل عظوم المرادي بالقيروان إلى تونس ، وبرزوا في التحصيل والولايات الشرعية ، فمنهم محمد بن أحمد بن عيسى ولي الفتيا بتونس ومات أواسط القرن العاشر وهو صاحب كتاب الفرق بين التمليك والتوكيل ، في المسألة الجارية بها العادة من ذلك العهد ومن قبله إلى الآن بالقيروان. وهي تبرع الزوج بعد انعقاد النكاح لزوجته في صلب رسم الصداق بكونه طاع لها بعدم التزوج عليها بامرأة ثانية وجعل أمر الداخلة عليها بيدها. وفرق المؤلف بين التمليك والتوكيل. ووقعت في السنوات الأخيرة نوازل مالت فيها النفوس إلى عدم العمل بذلك التبرع. والتزام ما لا يلزم لا يلزم ، فتجدد الإذن والفتيا بالعمل بما قرره المؤلف المذكور بعد إجراء الكشف على ذلك التأليف النفيس والاحتجاج به.