والتحرير إلى ذلك احتياطا نصف الكفاية إن أمكن ، لما عسى أن يطرأ ، وللرغبة التي تخلق في الإنسان عند المشاهدة ولا يتصور طرقها قبل ذلك ، ولا المكان والوقت الذي تكون فيه ولا السبب الموجب لها. على أن الأسعار في فرانسا لا تزيد في المسكن والمؤنة على المعروف بالأوتيلات الأروباوية بتونس على اختلاف الطبقات ، عدا الركوب في البلدان الكبرى ، وبالأخص في باريز ، فله اعتبار خاص لما يجب على المسافر من المحافظة على الوقت عند أداء الزيارات في الأماكن البعيدة التي إذا مشى لا على الأقدام ، فلا تكفيه عشرات الأيام. أما كراء الركوب بين البلدان وفي البحر فهو رخيص لمن يقطع تذاكر من إحدى شركات السفر التي تخفض من الأجور المحددة نحو الثلث ويزداد التخفيض على نسبة الزيادة في مسافات السفر. وكنت قطعت تذكرة من القيروان إلى القيروان برا وبحرا بنحو ثلاثمائة فرنك في الدرجة الثانية ، وحرر لي برنامج السفر صاحب الشركة الأجنبية المسيو كونيك وأمدني بإعانات وإرشادات مفيدة. ومن الناس من يختار استصحاب ماله ذهبا وأوراقا من بنك فرانسا ، ومنهم من يضعه في البنوك المشهورة ويأخذ من فروعها ما يريده متى شاء في البلدان التي يمر بها في أثناء السفر وبها فروع ذلك البنك. والأول يميل إلى راحة البدن وتشق عليه مفارقة حبيبه. والثاني يذهب لراحة القلب والأمن من طرو بعض الحوادث على جيبه.
٦. «الرفيق الموافق يؤنس الراحل في الأقطار التي لا يعرف مساكنها ولا سكانها ويعينه على التفكير فيما يستفاد منها. وقد نهي أن ينام الرجل وحده أو يسافر وحده. ولو يعلم الناس لم يسر راكب بليل وحده أبدا.
٧. «والقلم أحسن رفيق وحافظ» ، وهو كما قال ابن المعتز يخدم الإرادة ، ولا يمل الاستزادة. فيكتب به الراحل كل ما يرى أو يسمع ، حتى إذا عاد وجد خزينة كبرى من تلك المفكرات يستمد منها لتحرير كتاب رحلته بأصح مصدر وأوفى بيان ، وأصح التواريخ ما كتب في الإبان وعن عيان. غير أنه يلزم المؤلف الصبر والثبات بقدر ما يجب عليه من التثبت والتحري ، إذ الانتقاد من كثير الأفراد يحول غالبا دون إبراز ما في الأفكار من المنافع العامة ويثبط بعض العزائم. والغريب أن لكثير من أفراد بعض الأمم تآليف وتحارير وآراء في عدة مواضيع بقيت في طي الكتمان خوفا من أن يقال