الألسن فيها وعدم التفاهم بانحلال عصبيتهم دون إتمامه ، وهدمت وحدة التعاضد على البناء وتباعد كل أصحاب لغة عن الآخرين. ومن مهمات اللغات الأجنبية في هذا العصر اللغة الفرنساوية ويقال إنها أخف من غيرها على اللسان وأكثر رواجا ، وقد اكتسبت صبغة رسمية في مجالس أصحاب اللغات المختلفة من زمن نابليون بونابارت ، أي من نحو مائة عام وتعلم اللغات أمر مرغوب فيه شرعا. فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت كاتبه بتعلم اللغات الأعجمية ومما نقل عن المعز لدين الله رابع خلفاء الدولة العبيدية بالقيروان وقوة عزيمته أنه تعلم أربع لغات بعد ولايته في أواسط القرن الرابع بسبب حادث صغير.
وذلك أن المظفر الصقلي قد بلغ رتبة عظيمة عند المنصور العبيدي والده باني المنصورية بجوار القيروان ، وهي المسماة الآن صبرة ، وبها الآن قطع عظمى من أعمدة حجرية لعلها من بقايا قصورهم التي أخنى عليها مع كامل المدينة ما أخنى على رقادة والقصر القديم ، فلبست أطلال جميعها على ما فقدت ثوب حواد مرقعا من شايك التين الهندي.
وكان المظفر هذا يدل على المعز من أجل أنه علمه الخط في صغره ، فحرد مرة على المعز وولى لما لم يقبل منه التداخل في شؤون الدولة «والرجال المقتدرون في السياسة والتدبر لا يقبلون تداخل أرباب الغايات أو العقول الصغار ، والمتطفلين على موائد الوجاهة بزايف الأخبار» فسمعه المعز يتكلم بكلمة صقلية استراب منها ولقنها منه وأنفت نفسه من السؤال عن معناها فأخذ يحفظ اللغات فابتدأ بتعلم اللغة البربرية حتى أحكمها ، ثم تعلم الرومية والسودانية حتى أتقنهما ، ثم أخذ يتعلم الصقلية فمرت به تلك الكلمة ، فإذا هي سب قبيح ، فأمر بالمظفر فقتل من أجل تلك الكلمة. ولعل هاته اللغات الأربعة كانت رائجة في إفريقيا في ذلك العهد لامتداد الفتوحات إلى أطراف الصحارى والبحار وقد تكلمنا على طرف من اللغات في مكتب اللغات الشرقية بباريز وفيما «بين شامبيري وكرونوبل» وفي فيشي.
ويتمنى الإنسان أن يكون عارفا بكثير منها عند ما يحل في فيشي التي هي معرض الدنيا ، فترى بها سائر الأشكال والألوان واللغات. ورأيت كثيرا ممن يتكلم بعدة لغات والجهات الغربية من فرانسا يحسنون الأنكليزية والشرقية اللغة الألمانية.