والقيروان من قديم مشهورة بصنع البسط التي كانت تؤديها من جملة خراج المملكة في صدر الدولة العباسية. كان بساط المعز من حرير أزرق منسوج بالذهب وسائر ألوان الحرير وبه صورة الأقاليم والبحار والأنهار والجبال والطرق وصورة مكة والمدينة ، وكتبت به أسماء الأماكن وعليه «مما أمر بعمله المعز لدين الله شوقا إلى حرم الله وإشهارا لمعالم رسول الله في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة والنفقة عليه اثنان وعشرون ألف دينار» ، أي نحو نصف مليون من الفرنكات. وحبذا لو كانت زربية رئيس الجمهورية جناب المسيو فاليار التي أهديت له من صنع القيروان مرسوما عليها خريطة المملكة التونسية ، وليس ذلك بعزيز على اعتناء جمعية معمل الزربية القيرواني في المستقبل. وقد كان سلطان فرانسا لويز فيليب أهدى لأحمد باشا ملك تونس عند ما زاره في عام ١٢٦٢ زربية من صنع كوبلاين المعمل الشهير بباريز الذي يبلغ فيه الميترو المربع عدة آلاف. وكان في هاته الزربية النفيسة صورة السلطان المذكور فجمعت بين بديع الصنع وأحسن تذكار يهدى ، وهي الآن ببيت القبول الكبرى بباردو.
أما استغراب الفرنساويين لمعرفة التونسي للجغرافيا والتاريخ فهو فيما يظهر من جهة أن المسلمين منذ قرون أغفلوا الاعتناء بعلمي التاريخ والجغرافيا ونحوها. فمن العجيب أن أخذوا يرجعون إليهما ، والحق معهم في هذا الاستعجاب فإننا أغفلنا هاته العلوم ونبذناها ظهريا. وإنما أحيت هاذين العلمين المدرسة الخلدونية فكانت متممة للعلوم التي تدرس بجامع الزيتونة دام عمرانه وصارت هاته العلوم لزومية في برنامج الامتحان به ، وقد برز كثير من تلامذة الجامع في العلوم الرياضية. وبالجملة فقد أنجبت المدرسة الخلدونية جيلا جديدا وتلميذا موفقا انتفعت به الأمة واستكفت به الإدارة في الأعمال المهمة حيث ضموا لما عندهم من علوم اللغة والدين المستفادة من الجامع الأعظم.
الفنون التي تدرس بها من تاريخ وجغرافيا وحساب ومبادي هندسة وإنشاء ولغة فرانساوية. وتولى التعليم بها طائفة من أبناء الصادقية وبعض شيوخ الجامع والمهندس الخبير النصوح السيد علي رضى التركي الذي استكمل التلامذة من دروسه العلمية والعملية معلوماتهم الرياضية. وصفوة القول إن لتلامذة الخلدونية ، وبالأخص