جلوسه سابحا في البسائط ومتسلقا للجبال التي مهدها وصيرها طرقا لمجالات لهوه على متونها العالية وذراها الشاهقة ، وسابق أسرع حيوانات الهضاب والشعاب ، وامتزج بحيوانات الجبال والغاب ، وسبح تحت ماء البحار في غطاسات الأساطيل واختلط بالحيتان وطار في الهوى كما شاء. فما أقدر الإنسان على التقليد وما أشد طموحه للجديد. ونور العقل هو الوحيد في تمكينه من اختراع ما يشاء وتذليل ما يريد. وبدون استثمار العقل ونتائج العلم ومحمود الخصال ، يلحق بقسم الحيوانات أو بسودان الصومال. كان الإنسان يدافع الأسد بقوة البدن ومتانة السلاح وثبات الجأش. وبشر يقول : أفاطم لو شهدت ببطن خبت ، وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا. إذا لرأيت ليثا لاقى ليثا إلخ. واليوم ذلك السلطان المتسبع يرى خاضعا لسلطة تدبير الإنسان ، يأمره فيفعل ويهينه فيصمت. كل ذلك بضروب السياسة الجديدة التي تملك بلا حرب وتسوق بلا ضرب. والسياسة الحكيمة كالجمال لها سلطة على النفوس تستهويها وتنومها ، حتى يتصرف الآمر في المأمور ويكون أطوع له من البنان وأعلق به من الظل. على هاته الحالة رأيت الأسد في بستان المجكستي يلاعبه رجل أو يهارشه أو يعذبه ، قل كما شئت على حسب حالات الناظر أو الرجل أو الأسد.
وابن آدم له ولع بربط السباع ومشاهدتها ومصارعتها ، فقد كان المعز بن باديس في النصف الأول من القرن الخامس هجريا يقودها خارج القيروان فيبرز لمشاهدتها غالب السكان. خرج يوما إلى ظاهر المدينة وأخرجت السباع بين يديه ، فأفلت منها سبع فانهزم الناس أمامه ووقع بعضهم على بعض ، فمات منهم نحو المائتين ، ووثب السبع على رجل من كتاب باب الغنم يدعى بالكرامي فقتله.
والبطايح كثيرة في مدينة باريز التي شبهناها فيما سلف بمدينة بابل وما وصفوها به من حسن التقسيم والتنسيق. وكنت أستحسن منظر بطحاء اللوبيرا واجتماع الطرقات الكثيرة عند ما تمر فيها أجناس البشر وأنواع العربات. وفي وسط البطحاء نقطة يغيب عن الأبصار فيها الماشون ، ويظهر منها أحيانا وفجأة أشخاص آخرون.
وهو أمر غير مألوف ، وسببه عندنا غير معروف. وأما في باريز فيصعد وينزل بمثل ذلك المركز إلى محطات سكة الحديد التي تحت الأرض وهي من أهم وسايط النقل ٤.
الميتروبوليتان : قطار يسير في الأنفاق تحت الأرض بقوة الكهرباء إلى سائر حارات