وطال أمد حياتها في الشرف والحضارة. أضف إلى ذلك غرائب الوحش وأجناس الحيوان وأنواع الطير فإنهم يحشرون منها حول قصورهم ما تعز رؤيته ويعسر تذليله ويندر وجوده ويستكثرون منه ، وهم قادرون على تنويع مساكنه وتوسيع مجالاته وإرغاد علوفته وإجادة سياسته وإلطاف حياته. فانظر إلى باريز مثلا كيف وصلت لها المصنوعات الغريبة من بغداد من ساعات مخترعة وجيوش شطرنج نفيسة. ولا بد من حصول بغداد على مكافأة من ملك فرانسا شارلمان من غريب المصنوع وعزيز المقتنى ومن ينبئنا ما هي؟؟ يا ترى؟
وذلك كله مع بعد الشقة وشاسع المسافة برا وبحرا وعزة أسباب التعارف لذلك السبب. والقيروان جاءتها كذلك من أروبا ومن ملوك السودان ومصر غرائب الهدايا والحيوان مثل الزرافة والفيل. وكلما طال الزمن على المصنوعات كانت أكثر غرابة وأغلى ثمنا لتبدل الأذواق والعوائد وميل أرباب الصنائع إلى ما يناسب العصور الجديدة ، فيعز نظير القديمة مع الحاجة إليها لمعرفة الدرجة التي انتهى إليها العقل وملكة الصنع في الأزمان الغابرة. وهي كما قال المويلحي خبر صادق ولسان ناطق ، تخبر بالعبر ، وتحدث عمن عبر. أما الصور فأمرها قديم وكانت في المنسوجات الفارسية في صدر الإسلام ويرسمونها في جدران المنازل. وكان منها في بيت الإمام مالك وعند ما نبهه لها بعض تلامذته أزالها بما يشعر باتخاذ غيره لها جريا على المتعارف. وعبيد الله بن زياد كانت له «البيضاء» دار عمرها بالبصرة ، ولما تم بناؤها دخلها أعرابي وكانت فيها تصاوير ، فقال في شأنها رأيت فيها أسدا كالحا وكلبا نابحا وكبشا ناطحا. ولا يخفى ما في وصفه كل حيوان بالوصف الحقيقي من الرقي لشدة إتقان تصويرها حتى يخالها الناظر تعمل أعمالها الطبيعية. وفي جامع بني أمية بدمشق صور المدن والأشجار بالألوان والذهب. وخمارويه بن أحمد بن طولون بنى مجلسا في القرن الثالث سماه بيت الذهب ، طلى حيطانه كلها بالذهب وجعل فيه مقدار قامة ونصف صورا في حيطانه بارزة من خشب ، معمولة على صورته وصور حظاياه ومغنياته بأحسن تصوير وأبهج تزويق ، ولونت أجسامها بأصناف أشباه الثياب من الأصباغ العجيبة ، ومن بينهن حظيته بوران التي بنى هذا البيت لأجلها وصورها فيه بجانب صورته فكان هذا البيت من أعجب مباني الدنيا. والآمر بأحكام الله