البشر والسرور. وكان عمره إذ ذاك نحوا من خمسين عاما وعمرها نحوا من ثلاثين
سنة. وقبيل تمام الصورة التي أدام العمل فيها أربع سنين عرض لهما سفر كان هو
الافتراق النهائي. وفي آخر أيام الاجتماع قبل يدها عند الوداع. فتعطفت هي أيضا
عليه بما يشبه ذلك. وبعد افتراقهما على نية الاجتماع بشهرين ماتت ، وكأن لسان حال
ليوناردو ينشد قول الشاعر :
لو كنت أعلم
أن آخر عهدكم
|
|
يوم الوداع
فعلت ما لم أفعل
|
وعند ما اطلع
فرانسوا الأول على تلك الصورة أعجبته ورغب في شرائها منه بعشرين ألف فرنك ، ولما
لم يوافق مصورها على فراق صورة اتخذها رفيقة لآخر عمره وجوهرة بعقد صدره ، سلم له
الملك المال وأبقى له الصورة ، وبعد وفاته ترجع للملك.
ولما توفي سنة
١٥١٩ كانت نظراته الأخيرة عند الاحتضار إلى محيا صورة موناليزا.
قالوا في ملامح
تبسمها معان مبهمة. وفي المعنى المراد من هيئتها يحار الناظر.
وجدت الحديث
على ضياعها من متحف اللوفر مستفيضا ، والأسف شديدا من فقدها بين جدران ذلك القصر
الغني المقام كالتاج على رأس باريز ، تناطح به شامخ العواصم وقد أضحى أغنى قصور
الآثار ومصنوعات الأمم ورموز الرسامين وإبداع المصورين. وصورة لاجوكوند بمثابة
يتيمة الجواهر وواسطة العقد لم يسد فراغها ولم تقم مقامها مئات من الصور الحافلة
بها جدران قصر اللوفر على اتساع بيوته وبعد ساحاتها ومجالات عرصاتها. وكأنها
بمنزلة الشمس بين الكواكب في عالم الصور بقصر اللوفر. لذلك يقدرون تلك الصورة
الغريبة في هيئتها ، الثمينة في تاريخها ، المحبوبة بين عشاق الصور المتقنة وأهل
الغرام بالغريب منها ، بعدة ملاين. وما ظن السامع بأستاذ في علوم الرياضة وفي
الهندسة والنقش والتصوير والموسيقى ملكت جوهر قلبه ونور خاطره وأقلام أنامله فتاة
ذات دلال تجلت له وهي في سن الشباب وهو في الشيخوخة يحسب أن ليس سواها في العالم
فانبرت أقلامه ترسم مثالا ملونا يشاكل ما تقدر به تلك الذات في عين المحب وفي
الدرجة التي يرضاها الضمير. إلا أنه كلما أعملت الأنامل جهدها في الوصول إلى
الغاية المطلوبة وتشكيل المثال في