ويبين القرآن السبب الرئيسيّ الآخر الذي يؤدّي بالإنسان إلى الشقاء والعذاب في الحياة وهو أولا : فقدانه بركة رسالات الله وآياته ، وثانيا : اتباعه المناهج البشرية الضالة ، واعتماده على فكره الضّحل وتقديره الخاطئ.
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ)
والتفكير هو تقليب وجوه الرأي ، بينما التقدير هو تحويل التفكير إلى خطة بعد الدراسة ، يقال فكّر في الأمر وتفكّر ، إذا نظر فيه وتدبّر ، ثم لمّا تفكّر رتّب في قلبه كلاما وهيّأه ، وهو المراد من قوله : «وقدّر» (١) ، وفي تفسير الميزان قال العلّامة الطباطبائي : والتقدير عن تفكير نظم معاني وأوصاف في الذهن بالتقديم والتأخير ، والوضع والرفع لاستنتاج غرض مطلوب ، وقد كان الرجل يهوى أن يقول في أمر القرآن شيئا يبطل به دعوته (٢). ولقد توهّم الوليد بتفكيره وتقديره أنّ تهمة السحر ستدحض الحق .. وليس الأمر كذلك.
(فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ)
ولقد ذمّ الله تفكيره لأنّه فكّر فكرا يحتال به للباطل ، ولو فكّر على وجه طلب الرشاد لم يكن مذموما بل كان ممدوحا (٣) ، لأنّ التفكير والتخطيط بإعمال العقل على ضوء المعلومات والمعطيات أمر حسن بذاته ، وإنّما جاءت رسالات الله وبعث الأنبياء لغرض إصلاح الناس وهدايتهم باستثارة العقول.
بلى. إنّ العقل بذاته وسيلة خير وصلاح ، وهو يعمل لصالح الإنسان ، ولكن بشرط أن يكون خياره الأول صحيحا ، أمّا لو اختار الباطل ثم استثار عقله في هذه
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٠٠.
(٢) الميزان / ج ٢٠ ص ٨٦.
(٣) التبيان ج ١٠ ص ١٧٧ بتصرف.