والاستقلال ... فيجب على الرساليين أن يصبروا ويتجرّعوا كلمات الشتم والتجريح ، وضغط الاعلام ، لا ان يتنازلوا عن قيمهم ويداهنوا فيها.
وقد نستوحي من الهجر الجميل أنّه القائم على أساس العدل والحكمة ، فلا ينبغي أن يهجر المؤمن طرفا هجرا كاسحا ، فيبخس الناس أشياءهم ، ولا يعترف لهم بأيّة إيجابية ، أو يقطع صلته معهم إلى حدّ يحرم نفسه إيجابياتهم ... وبتعبير آخر : ينبغي أن ننصف الناس ـ حتى أعدائنا ـ من أنفسنا ، فلا تصحب المقاطعة والهجر عملية إسقاط للآخرين بعيدة عن حدود الله وشرائعه.
[١١] ويستلهم المؤمنون روح الصبر من أمرين هما : التوكل على الله ، والإيمان بأنّه سوف يجازي أعداءهم شرّ مجازات ، فلما ذا الاستعجال وعدم الصبر ما دام الفوت غير ممكن؟! بلى. قد لا يعاصر جيل من المؤمنين انتقام الله من أعدائهم وأعداء الرسالة ، وقد لا ينتقم منهم في الدنيا ، ولكنّ الأمر واقع لا محالة إن فيها أو في الآخرة ، حيث عذاب الخزي الذي يلحق بالمترفين والمستكبرين المكذّبين بالرسالة.
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً)
أي المترفين الذين يعارضون الرسالة ، ويكذّبون بآيات الله. وكلمة «ذرني» تفيد التهديد والوعيد ، كما تشير إلى معنى التوكل على الله نعم الوكيل ، حيث ينبغي للمؤمن وهو يصبر على ما يقوله الأعداء أن يطمئن اطمئنانا تامّا بأنّ صبره لن يذهب هباء ، لأنّ المتوكّل عليه سوف ينتقل له وللحق منهم. ولعلّ ذكر تنعّمهم يهدينا إلى أنّ العذاب الذي سيحلّ بهم يشمل تغيير ما هم عليه من النعيم ، وإلى ذلك أشار صاحب الميزان فقال : والجمع بين توصيفهم بالمكذبين وتوصيفهم بأولي النعمة للإشارة إلى علّة ما يهدّدهم به من العذاب ، فإنّ تكذيبهم بالدعوة الإلهية وهم متنعّمون بنعمة ربهم كفران منهم بالنعمة ، وجزاء الكفران سلب النعمة ، وتبديلها