كلّ شيء إلى أمر الله وطاعته (١) ، وفي الدر المنثور عن قتادة : «وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً» قال : أخلص له الدعوة والعبادة ، وعن مجاهد : أي أخلص المسألة والدعاء إخلاصا.
واختلف في «تبتيلا» لماذا جاء بهذه الصيغة ، بينما يعتبر مصدر التبتل في هذه الآية ، فذهب البعض إلى ما لا يليق بأدب الوحي وعظمته ، إذ قالوا : لمراعاة الفواصل (٢) ، ويبدو أنّ التبتل مصدر كلمة أخرى أشير إليها ، فكانت العبادة تحتمل معنين : الأول : الانقطاع الجدّي ، وعبّر عنه بكلمة «وتبتل» ، والثاني : الانقطاع المرة بعد الأخرى ، وعبّر عنه بالمصدر «تبتيلا» ، على أنّ الكلمة الأولى جاءت بصيغة التفعّل ، والثانية بصيغة التفعيل. ويبدو أنّ الكلمة تفيد التأكيد على التبتل وأن يكون حقيقيّا ، فليس كلّ مظهر تبتّل يحسب تبتّلا عند الله ، والتبتل على وزن التفعل الذي يعني المداومة والعود إليه حينا بعد حين ، وذلك أنّ الإنسان عرضة للانحراف وللتأثر بالعوامل السلبية في كلّ لحظة .. إذن فهو بحاجة إلى مداواة هذه المعضلة بالإلحاح على الانقطاع إلى الله ، والتبتّل إليه حينا بعد حين.
[٩] ويتعمّق ذكر الله والتبتل إليه في نفس الإنسان وعلى جوارحه حينما يتأسسان على المعرفة به سبحانه ، وغاية معرفته توحيده والتوكل عليه ، وهذه هي الزاوية التي تنتظم من خلالها الآية التاسعة في سياق السورة حيث تعرفنا بربنا.
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)
قال صاحب المجمع : أي ربّ العالم بما فيه لأنّه بين المشرق والمغرب ، وقيل : رب مشرق الشمس ومغربها (٣) ، والإطلاق هو الأقرب بصرف المعنى للمشرق
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ١٧٨.
(٢) الميزان ج ٢٠ ص ٦٥.
(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٩.