ومشيئته عنان الشهوة لأولئك الذين عقلوها بعقال أحكام الله وحدوده ، فالمتقون هناك يجدون ما يحبّونه من الفواكه في كلّ مكان وزمان ، إذ تسقط معادلة الفصول والمواسم ، كما يبلغون شهوتهم كيفما يريدون ، إذ تأتي الفواكه بالحجم واللون والطعم والشكل الذي يتخيّله واحدهم وأحسن منه.
والعلاقة واضحة بين هذه النعم الثلاث ، فإنّ الظل والعيون والفواكه المتنوّعة هي أبرز معالم الجنة ، وإنّما ذكرها الله كناية عن الجنة ، وتفصيلا في المعنى للمزيد من التشويق والترغيب للمتقين في نعيمها.
ومن سمات المنهج الإسلامي أنّه يوصل بين السعي والجزاء ، وذلك لكي لا يتحوّل الشوق إلى جنّات الله ورضوانه إلى مجرّد أماني وظنون ، وإنّما تكون الرغبة لبلوغها نهج عمل وسعيا حثيث من أجل الوصول إليها وتحقيقها في الواقع. هذا على صعيد الدنيا ، أمّا على صعيد الآخرة فإنّ بيان الله للمتقين علاقة عملهم بجزائهم نوع من الإكرام لهم ، وإلّا فإنّ ما يلقاه المتقون في جنّات الله من الناحية المادية والموضوعية أعظم من أن يبلغه بشر بسعيه ، إنّما هو فضل من الله ورحمة. ومن هذا المنطلق يخاطب المتقون في الآخرة :
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً)
خاليا من كلّ أسباب النكد والنغص يمكن أن يكون في طعام أو شراب.
(بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
الذين يحسنون الصنع (الالتزام بالقيم ، والتعامل مع الآخرين ، والاستفادة من نعم الله عليهم) ، وقد ذكر الله صفة الإحسان في المتقين كسبب لاستحقاقهم الفضيلة والرضوان عنده تأكيدا على أنّها أرفع درجة يبلغها أحد في القرب من الله ،