بقراءة القرآن والتدبر فيه والدعاء والاستغفار يعطي إرادة الثبات وروح التحمل وعند هذه الآية ينبغي أن ندرس حياة الأجيال الأولى من المسلمين الذين صنعوا المنجزات العظيمة في التاريخ ، وغيّروا مسيرة الإنسانية ، فإنّهم لا ريب كانوا يستلهمون من قيامهم الليل وما إلى ذلك همّتهم العالية ، وإرادتهم الصلبة ، فكانوا رهبان الليل وفرسان النهار.
كما أنّ ناشئة الليل ثقيلة على النفوس لأنّ القائم لأدائها يواجه تحدي النفس التي يغالبها النعاس ، وتحن إلى الفرار من المسؤولية ، وتفضّل الراحة الجسدية على لقاء ربها الجبّار ، وتواجه كذلك تحدي الشيطان الذي يوسوس إليها بالتسويف ، لها بالنوم بعذر أو آخر ، وهكذا يكون قيام الليل منطلقا لإصلاح جذريّ في النفس والمجتمع ، فهو إذا عملية صعبة ، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى بقوله تعالى : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ» (١).
وهكذا رأى بعضهم أنّ المراد من شدّة الوطأ صعوبة صلاة الليل ذاتها ، قيل : أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار ، وهو من قولك : اشتدت على القوم ووطأة السلطان ... فأعلم الله نبيّه أنّ الثواب في قيام الليل على قدر شدة الوطأة وثقلها ، ونظير قوله (ص) : «أفضل العبادات أحمزها» (٢) وقيام الليل حمز (صعب) لأنّه يخلق توازن الشخصية عند الإنسان لتكون قائمة على أسس رشيدة على قيم الوحي وهدى العقل وتجارب البشر ، فإذا برهبان الليل طاهرة ألسنتهم عن الغيبة والشتم وسائر الأخطاء والذنوب المنطقية التي من بينها شهادة الزور ، لأنّ قيامهم بالليل يزيل من قلوبهم العقد ، ويزرع فيها التقوى ، كما يجعلهم يفكّرون في كلامهم قبل النطق به ، ويزنونه بميزان الحق والصواب ، الأمر الذي يعلهم يصيبون الحق حين
__________________
(١) البقرة ٤٥.
(٢) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٧٦.