رقابهم (١). ولعل السلاسل ما يشد بها المجرمون إلى بعضهم ويسحبون بها ، بينما الأغلال ما يقيّد بها الواحد من يديه ورجليه ورقبته. وهذا جزاء مناسب للكافرين ، لأنّهم يسيئون الاستفادة من الحرية المعطاة إليهم في الدنيا فيقيّدون في الآخرة. وسلاسل الآخرة وأغلالها تجسيدات لمثلها في الدنيا ، لأنّ من يخالف قيم الحق وسبيل الهدى ويتبع المناهج البشرية يتورّط في أغلال العبودية والعقد والمشاكل المختلفة.
[٥] أمّا الشاكرون الذين يهبهم ربّهم وسام الأبرار فإنّهم يتحررون من سلاسل الضلال وأغلاله وسعيره في الدنيا فقط ، بل ويكسبون الحرية الكاملة في الآخرة والثواب الجزيل جزاء شكرهم واتباعهم رسالة الله عزّ وجلّ.
(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً)
قيل : هو جمع بر ، وفي الصحاح : وجمع البر الأبرار ، وفلان يبرّ خالقه ويتبرّره أي يطيعه (٢). والقرآن يفسّر معنى «الأبرار» من خلال بيانه لصفاتهم ، وهذا يقرّب المعنى ويرسّخه في الأذهان بصورة أوضح وأفضل.
وما يشربه الأبرار في الجنة مختلط طعمه ومزاجه بصفات الكافور الحسنة ، وهو اسم عين ماء في الجنة عن ابن عبّاس (٣) ، وقال سعيد عن قتادة : تمزج لهم بالكافور ، وتختم بالمسك ، وقيل : أراد كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ، لأنّ الكافور لا يشرب (٤) ، وقال مقاتل : ليس بكافور الدنيا ، ولكن سمّى الله
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ٢٤٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن / ج ١٩ ص ١٢٥.
(٣) المصدر.
(٤) المصدر.