قيل : يعني إليه المنتهى أو غاية سوق الملائكة لكلّ نفس ، وهو صحيح ، ولكن يبدو لي أنّ «المساق» هنا يعني المصير ، حيث أنّ الأنفس بعد الحساب تسوقها الملائكة إلى مأواها ومصيرها ، فامّا تسوق الإنسان ملائكة الرحمة إلى الجنة ، وامّا تسوقه ملائكة العذاب إلى النار ، وإلى الله وحده وبيده الأمر بكلا المساقين ، فما أحوجه إلى معرفة هذه الحقيقة والإيمان بها ، فإنّ ذلك يبعث فيه روح التسليم إليه والسعي إلى القرب منه.
[٣١ ـ ٣٥] وحين لا يؤمن الإنسان بلقاء ربه ينحرف عن الصراط المستقيم ويترك الواجبات التي عليه.
(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى* وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)
قيل : لا صدّق بما له ذخرا عند الله ، ولا صلّى الصلوات التي أمره الله بها (١) ، والأصح حمل التصديق هنا على معناه الأصلي ، وهو تصديق الإيمان بالعمل والباطن بالظاهر والعكس ، وهذا الفهم يجعل الكلمة تتسع لكثير من المفردات والمصاديق ومن بينها الإنفاق. كما أنّ الصلاة رمز الصلة والقرب مع الخالق ورمز التواصل مع الخلق ، وهكذا الآيتان تفسّران بعضهما ، فالتكذيب نقيض التصديق ، والتولي نقيض التواصل ، والمكذّب بالحق يرتكب ذنبين : أحدهما عدم التصديق والصلاة ، والآخر التكذيب والتولي ، وابتعاد الإنسان عن الحق ليس يقطع علاقته بالله وبرسوله فقط ، وإنّما يفسد علاقته بالناس أيضا ، فهو يركب مطية الغرور والتكبر بينهم.
(ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى)
__________________
(١) المصدر / ص ١١٣.