والتكاليف ، بإيكال تشخيص موضوعها وحكمها إلى الإنسان نفسه من دون حاجة إلى مراجعة الفقيه أو المختص ، قال زرارة : سألت أبا عبد الله (الإمام الصادق (ع)) : ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه؟ قال : «بل الإنسان على نفسه بصيرة ، هو أعلم بما يطيق (١) ، وفي رواية أخرى : «هو أعلم بنفسه ، ذاك إليه» (٢) ، وقد ذهب بعض الفقهاء في فهمه لهذه الآية إلى حدّ القول : بأنّ كلام المختص ليس حجّة ملزمة دائما ، فلو أمره بالصيام على أساس أنّ المرض لا يضره ولكنّه ارتأى الضرر فله الحق في مخالفته ، والعكس كذلك صحيح.
[١٦ ـ ١٩] لكي تتبلور نظرة الإنسان إلى نفسه ، وتتميّز في وعيه حوافز الخير والصلاح عن شهوات الشر والفساد ، لا بد أن يعي الآخرة وأهوالها ، وينتبه إلى نفسه اللوّامة ، ويستضيء بالقرآن الذي هو حجة ظاهرة فيما العقل حجة باطنة ، وهما يلتقيان في الحق وفي إعطاء الإنسان مقياسا سليما فيه. من هنا ينعطف السياق إلى الحديث عن تبليغ الرسالة داعيا النبي (ص) إلى عدم الاستعجال بالقرآن.
وقد تحيّر المفسرون في العلاقة بين الآيات (١٦ ـ ١٩) وبين السياق العام للسورة ، حتى قاد الجهل بعضهم إلى آراء بعيدة كلّ البعد عن حقيقة الرسالة ، فزعم بأنّ القرآن تعرّض إلى التغيير عن مواضعه ، إذ لا ينبغي أن ترد الآيات المذكورة في مثل سورة القيامة ، وقال آخرون بأنّ الحديث هنا ليس عن القرآن وإنّما هو عن كتاب الإنسان الذي يلقاه يوم القيامة منشورا ، فقال القفال : وأنّ قوله : «الآية ١٦» ليس خطاب مع الرسول (ص) بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله : «يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ» فكان ذلك للإنسان حالما ينبّأ بقبائح أفعاله ، وذلك بأن يعرض عليه كتابه ، فيقال له : «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
__________________
(١) المصدر.
(٢) المصدر.