ونعرف من ذلك أنّ الظالم هنا مغفور له لأنّ ظلم نفسه لا يبلغ درجة دعوة الناس إلى الضلال ، بل فيه ما في الناس من زلّات يطهرها بحسناته ، وهو ظالم لنفسه إذا قيس بالمقتصد ، والسابق بالخيرات هو من عرف واجبه باعتباره وارث علم الكتاب ، وقد روي عن الامام الباقر عليه السلام أنّه قال ـ بعد أن سئل عن الآية وعن معنى الظالم لنفسه فيها ـ :
«من استوت حسناته وسيئاته منّا ـ أهل البيت ـ فهو الظالم لنفسه ، فقلت : المقتصد منكم؟ قال : العابد لله في الحالين حتى يأتيه اليقين فقلت : فمن السابق منكم بالخيرات؟ قال : من دعا ـ والله ـ الى سبيل ربه ، وأمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، ولم يكن للمضلين عضدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يرض بحكم الفاسقين ، الا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا» (٤)
ونستوحي من هذا النص : أنّ لذرية رسول الله (ص) المصطفين للقيادة مسئوليات أكبر ، فالظالم نفسه منهم هو الذي تستوي حسناته وسيئاته ، ولا يدعو الى ضلال كما جاء في حديث آخر :
«الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس الى ضلال ولا هدى»
ولعل في كلمة «لنفسه» شهادة على ظلم لا يتجاوز نفسه الى الآخرين.
أمّا الشاهد على أنّ الآية تعني مثل هؤلاء فهو الآية التالية التي تدل على أنّ جميع هؤلاء في الجنة ... هكذا استدل الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ للمأمون العباسي حينما سأله عن الآية. لنستمع الى تحاورهما :
حضر الرضا (ع) مجلس المأمون بمرو ـ وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل
__________________
(٤) المصدر / ص (٣٩٤).