ولم يكن يملك أصحاب النار ردا على كل هذه الحجج البالغة الا بأن.
(قالُوا بَلى)
إذن فالهداية ممكنة لو أرادوها فعلا.
(وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ)
إن باستطاعة الإنسان أن يكفر بالله ، باختياره ولكن بعدئذ يغلق عليه باب الاختيار ، ويحاول البعض تبرير كفره بأنه سوف يتوب في المستقبل كعمر بن سعد الذي اختار الكفر بقتل الإمام الحسين (ع) ثم انشد :
يقولون إن الله خالق جنة |
|
ونار وتعذيب وغلّ يدين |
فإن صدقوا فيما يقولون إنّني |
|
أتوب الى الرحمن من سنتين |
وهذا من أخطر الأشياء على البشر ، حين يختار الانحراف ثم يمني نفسه بالتوبة في المستقبل دون أن يدرك سنة الله في الحياة ، وهي أن الإنسان قد يختار طريقا بحريته ويتخذ قرارا بكامل إرادته ، ولكنه بعد ذلك لا يتمكن من العودة عنه والخروج من المأزق الذي يقع فيه بسبب ذلك الاختيار السيء. كالذي يقرّر أن يلقي بنفسه من جبل شاهق ثم يجد نفسه عاجزا عن الصعود مرة أخرى ، فالسقوط يكون باختياره ولكنه لا يتمكن من العروج أنّى حاول.
والقرآن يعبر عن هذه الفكرة بصيغ عديدة في آياته ، فتارة يسميه بالختم على القلوب والأسماع (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) (١) وتارة يسميه بذهاب النور (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (٢) ، وأخرى يسميه
__________________
(١) البقرة / (٧).
(٢) البقرة / (١٧).