وبعدها ينذر القرآن من يسمعه دون أن يتّعظوا بمصير السابقين كقوم نوح وعاد ، وثمود وآل فرعون ، إذ كذّب آل فرعون موسى وأخاه فدمرهم ، لأنّهم لا يعترفون بشرعيّة القيم ، فلا يشكّل البشر بما يملكون من قوى وطاقات وأسماء وشعارات وزنا عند الله لولا القيم ، لأنّ الأهم لديه هو الإيمان والعمل الصالح ، وتفقد كلّ أمّة مبرّر وجودها عند ما تفقد هذين الأساسين ، وما تدمير الله لأصحاب الرّسّ إلّا لأنهم أمّة كفرت بالحقّ ، وهذه سنّته في الحياة.
ومن الناس من أشرب قلبه حبّ الدنيا ، ويتجاهل قيمة العلم والتقوى ، وينظر إلى رسول ربّه من منطلق قيمه المادية ، فهو يكفر بالرسالة قائلا : أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً ؟! ويرى أنّ صبره أمام تأثير الرسالة فضيلة ، ولا يتذكر أن كفره بها يكلّفه كثيرا ، لأنّه يرديه إلى مهوى الضلالة.
ولكنّ منطلق هذه النظرة الخاطئة إلى الرسول ومن ثمّ الوحي نابع من عبادة الهوى ، فيدعه الرسول لشأنه لأنّه ليس وكيلا عنه ، ولأنه أفقد نفسه نعمة العلم والعقل ، فهو أضلّ سبيلا من الأنعام والبهائم.
هكذا يبيّن القرآن هنا الحقائق التي تمسّ الوحي :
أولا : الذي يكفر بالوحي يكفر بالنور ، فهو يمشي على وجهه.
ثانيا : إنّ نهايته ستكون كما الذين كفروا من قبل فدمّرهم الله في الدنيا ، وأعدّ لهم عذابا أليما في الآخرة.
ثالثا : من استهزأ بالرسول فكفر لذلك برسالته فقد اختار الضلال ، وأضحى كالأنعام وأضل سبيلا.
بينات من الآيات :
[٣٤] إن الله يسلب العقول والأبصار من الذين يكفرون بالقرآن في الدار الدنيا