الحرج والضرر مع المصلحة العامة.
الجهة السادسة : في اقتضاء لسان التنزيل ( وهو لسان الحكومة ) نظر الدليل إلى ارتكاز ذهني للمخاطب على خلافه ـ لا إلى عموم أو اطلاق ـ.
قد ظهر مما ذكرنا أن اسلوب التنزيل ـ وهو لسان الحكومة باعتبار مصححه البلاغي ـ يقتضي نظر المتكلم إلى ارتكاز ذهني مخالف للدليل ، حيث إن اختيار الاسلوب غير المباشر بالذات ، إنما هو لعدم مجابهة هذا الارتكاز وذلك جرياً على النكتة العامة للاعتبارات الأدبية من اختيار الاسلوب المناسب مع مشاعر المخاطب واحساسه.
وبذلك يتضح بان الفكرة المخالفة التي ينظر الدليل الحاكم إلى ردِّها إنما هي الاعتقاد المرتكز في ذهن المخاطب ، وليس معنى متمثلاً في الأَدلّة بحسب مقام الاثبات من عموم أو اطلاق ، كما اشتهر لدى الاصوليين حيث قالوا ان قوام الحكومة بوجود عموم أو اطلاق يكون الدليل الحاكم ناظراً اليه ؛ اذ يرد على ذلك :
أوّلاً : ان مصحح هذا الاسلوب كما ذكرناه في تحليل الموضوع ليس النظر إلىٰ دليل آخر ، وانما إلى ارتكاز مخالف سواء كان عليه دليل من عموم أو اطلاق أو غيرهما أم لا ؟ ومجرد وجود العموم أو الاطلاق لا يصحح اختيار هذا اللسان والعدول عن التعبير الصريح من قبل البليغ لأَن هذا الاسلوب اسلوب ادبي يتضمن اثبات الشيء أو نفيه تنزيلاً ، والاسلوب الأَدبي انما تصححه نكتة بلاغية تتعلق بكيفية التأثير في المخاطب ، ومجرد النظر إلى دليل آخر ليس كذلك كما هو واضح.
وثانياً : انه يصح استعمال هذا اللسان بالبداهة اللغوية حتى فيما لم يكن هناك عموم أو اطلاق اذا كان هناك ارتكاز ذهني للعرف يخالف بعمومه مؤدى الدليل ، اما من جهة تصور الإجماع الحجة أو لشدة تناسب الحكم