ومن ذلك قولهم : (الخذا) فى الأذن ، (والخذأ : الاستخذاء) فجعلوا الواو فى خذواء ـ لأنها دون الهمزة صوتا ـ للمعنى الأضعف. وذلك أن استرخاء الأذن [ليس] من العيوب التى يسبّ بها ، ولا يتناهى فى استقباحها. وأما الذلّ فهو من أقبح العيوب ، وأذهبها فى المزراة والسبّ ، فعبّروا عنه بالهمزة لقوّتها ، وعن عيب الأذن المحتمل بالواو ، لضعفها. فجعلوا أقوى الحرفين لأقوى العيبين ، وأضعفهما لأضعفهما.
ومن ذلك قولهم : قد جفا الشىء يجفو ، وقالوا : جفأ الوادى بغثائه ، ففيهما كليهما معنى الجفاء ؛ لارتفاعهما ؛ إلا أنهم استعملوا الهمزة فى الوادى لما هناك من حفزه ، وقوّة دفعه.
ومن ذلك قولهم : صعد وسعد. فجعلوا الصاد ـ لأنها أقوى ـ لما فيه أثر مشاهد يرى ، وهو الصعود فى الجبل والحائط ، ونحو ذلك. وجعلوا السين ـ لضعفها ـ لما لا يظهر ولا يشاهد حسّا ، إلا أنه مع ذلك فيه صعود الجدّ ، لا صعود الجسم ؛ ألا تراهم يقولون : هو سعيد الجدّ ، وهو عالى الجدّ ، وقد ارتفع أمره ، وعلا قدره. فجعلوا الصاد لقوتها ، مع ما يشاهد من الأفعال المعالجة المتجشّمة ، وجعلوا السين لضعفها ، فيما تعرفه النفس وإن لم تره العين ، والدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية.
فإن قلت : فكان يجب على هذا أن يكون الخذا فى الأذن مهموزا ، وفى الذلّ غير مهموز ؛ لأن عيب الأذن مشاهد ، وعيب النفس غير مشاهد ، قيل : عيب الأذن وإن كان مشاهدا ، فإنه لا علاج فيه على الأذن ، وإنما هو خمول وذبول ، ومشقّة الصاعد ظاهرة مباشرة معتدّة متجشّمة ، فالأثر فيها أقوى ، فكانت بالحرف الأقوى ـ وهو الصاد ـ أحرى.
ومن ذلك أيضا سدّ وصدّ. فالسّدّ دون الصّدّ ؛ لأن السدّ للباب يسدّ ، والمنظرة ونحوها ، والصّدّ جانب الجبل والوادى والشّعب ، وهذا أقوى من السدّ ، الذى قد يكون لثقب الكوز ورأس القارورة ونحو ذلك [فجعلوا الصاد لقوّتها ، للأقوى ، والسين لضعفها ، للأضعف].
ومن ذلك القسم والقصم. فالقصم أقوى فعلا من القسم ؛ لأن القصم يكون