وكم ، وإذ ، واحتملوا ما لا يؤمن معه من اللبس ؛ لأنهم إذا خافوا ذلك زادوا كلمة أو كلمتين ، فكان ذلك أخفّ عليهم من تجشّمهم اختلاف الإعراب واتقائهم الزيغ والزلل فيه ؛ ألا ترى أن من لا يعرب فيقول : ضرب أخوك لأبوك قد يصل باللام إلى معرفة الفاعل من المفعول ، ولا يتجشّم خلاف الإعراب ليفاد منه المعنى ؛ فإنّ تخلّل الإعراب من ضرب إلى ضرب يجرى مجرى مناقلة الفرس ، ولا يقوى على ذلك من الخيل إلا الناهض الرجيل ، دون الكودن (١) الثقيل ؛ قال جرير :
من كل مشترف وإن بعد المدى |
|
ضرم الرّقاق مناقل الأجرال (٢) |
ويشهد للمعنى الأول أنهم قالوا : اقتل ، فضمّوا الأول توقّعا للضمة تأتى من بعد. وكذلك قالوا : عظاءة ، وصلاءة ، وعباءة ، فهمزوا مع الهاء توقّعا لما سيصيرون إليه من طرح الهاء ، ووجوب الهمز عند العظاء والصلاء والعباء. وعلى ذلك قالوا : الشىء منتن ، فكسروا أوّله لآخره ، وهو منحدر من الجبل ، فضمّوا الدال لضمّة الراء. وعليه قالوا : هو يجوؤك ، وينبؤك فأثّر المتوقّع ، لأنه كأنه حاضر. وعلى ذلك قالوا : امرأة شمباء ، وقالوا : العمبر ، ونساء شمب ، فأبدلوا النون ميما لما يتوقّع من مجىء الباء بعدها. وعليه أيضا أبدلوا الأول للآخر فى الإدغام ؛ نحو مرّأيت؟ ، واذهفّى ذلك ، واصحمّطرا (٣). فهدا كله وما يجرى مجراه [مما يطول ذكره] يشهد لأن كل ما يتوقّع إذ ثبت فى النفس كونه كان كأنه
__________________
(١) الرجيل : هو القوى على المشى. الكودن : هو الهجين غير الأصيل.
(٢) البيت من الكامل ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٩٥٨ ، ولسان العرب (جرل) ، (نقل) ، وتهذيب اللغة ٩ / ١٥١ ، ١١ / ٢٧ ، ١٢ / ٣١ ، وجمهرة اللغة ص ٩٧٦ ، ١٣٣٠ ، ومقاييس اللغة ١ / ٤٤٥ ، وديوان الأدب ٢ / ٣٩١ ، وأساس البلاغة (شرف) ، (نقل) ، وتاج العروس (جرل) ، (نقل) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ضرم) وجمهرة اللغة ص ٤٦٤ ، والمخصص ٦ / ١٦٨ ، ١٠ / ٩٨. المشترف : يريد به الفرس العالى الخلق. والرّقاق : الأرض السهلة لا رمل فيها. يناقل فى الأجرال : يسرع السير فيها فلا تقع قوائمه على الحجارة ، والأجرال جمع الجرل : وهو المكان الصلب الغليظ الذى به حجارة.
(٣) مرأيت : يريد من رأيت. واذهفى ذلك : يريد اذهب فى ذلك. واصحمطرا : يريد اصحب مطرا.