نحن عليه فى شيء ، وإنما كلامنا هنا : هل وقع جميعها فى وقت واحد ، أم تتالت وتلاحقت قطعة قطعة ، وشيئا بعد شيء ، وصدرا بعد صدر.
وإذ قد وصلنا من القول فى هذا إلى هاهنا فلنذكر ما عندنا فى مراتب الأسماء ، والأفعال ، والحروف ؛ فإنه من أماكنه وأوقاته.
اعلم أن أبا علىّ ـ رحمهالله ـ كان يذهب إلى أن هذه اللغة ـ أعنى ما سبق منها ثم لحق به ما بعده ـ إنما وقع كلّ صدر منها فى زمان واحد ، وإن كان تقدّم شيء منها على صاحبه فليس بواجب أن يكون المتقدّم على الفعل الاسم ، ولا أن يكون المتقدّم على الحرف الفعل ؛ وإن كانت رتبة الاسم فى النفس من حصّة القوّة والضعف أن يكون قبل الفعل ؛ والفعل قبل الحرف. وإنما يعنى القوم بقولهم : إن الاسم أسبق من الفعل أنه أقوى فى النفس ، وأسبق فى الاعتقاد من الفعل ، لا فى الزمان. فأما الزمان فيجوز أن يكونوا عند التواضع قدّموا الاسم قبل الفعل. ويجوز أن يكونوا قدّموا الفعل فى الوضع قبل الاسم ، وكذلك الحرف. وذلك أنهم وزنوا حينئذ أحوالهم وعرفوا مصاير أمورهم ، فعلموا أنهم محتاجون إلى العبارات عن المعانى ، وأنها لا بدّ لها من الأسماء والأفعال والحروف ، فلا عليهم بأيّها بدءوا ، أبالاسم ، أم بالفعل أم بالحرف ؛ لأنهم قد أوجبوا على أنفسهم أن يأتوا بهنّ جمع ؛ إذ المعانى لا تستغنى عن واحد منهن.
هذا مذهب أبى علىّ وبه كان يأخذ ويفتى. وهذا يضيّق الطريق على أبى إسحاق وأبى بكر فى اختلافهما فى رتبة الحاضر والمستقبل.
وكان أبو الحسن يذهب إلى أن ما غيّر لكثرة استعماله إنما تصوّرته العرب قبل وضعه ، وعلمت أنه لا بدّ من كثرة استعمالها إياه فابتدءوا بتغييره ؛ علما بأن لا بدّ من كثرته الداعية إلى تغييره. وهذا فى المعنى كقوله :
رأى الأمر يفضى إلى آخر |
|
فصيّر آخره أوّلا |
وقد كان أيضا أجاز أن يكون قد كانت قديما معربة ، فلمّا كثرت غيّرت فيما بعد. والقول عندى هو الأوّل ؛ لأنه أدلّ على حكمتها ، وأشهد لها بعلمها بمصاير أمرها ، فتركوا بعض الكلام مبنيّا غير معرب ؛ نحو أمس ، وهؤلاء ، وأين ، وكيف ،