العذاب الإلهي من أقرب النقاط لهم ، وهي الأرض التي تحت أقدامهم. وقد وردت أحاديث كثيرة بهذا المضمون عن ابن عبّاس وابن مسعود وأبي هريرة وحذيفة وامّ سلمة وعائشة ، كما يلاحظ في كتب السنّة ، وكلّهم ينقلون عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله (١).
وقد أوردت تلك الأحاديث في تفسير هذه الآية في الكثير من كتب التّفسير الشيعية من أمثال تفسير القمّي ، ومجمع البيان ، ونور الثقلين ، والصافي ، والكثير من كتب التّفسير السنّية كتفسير روح المعاني ، وروح البيان ، والقرطبي.
كذلك فإنّ العلّامة المجلسي ـ أعلى الله مقامه ـ أورد العديد من الروايات عن الإمام الباقر عليهالسلام بهذا الخصوص ، والتي تشير إلى كونها أحد مصاديق هذه الآيات ، باعتبار أنّ الخسف الذي يحلّ بالسفياني وجيشه هو مصداق للأخذ من مكان قريب (٢).
وكما أشرنا مرارا فإنّ الرّوايات التي يوردها المفسّرون للتدليل على معنى الآية ، إنّما هي المصاديق الأوضح ، وليس معناها تحديد معنى الآية في ذلك.
الآية التي بعدها ، تعرض وضع هؤلاء بعد أن أخذهم العذاب الإلهي تقول الآية الكريمة (وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) (٣) ولكن (أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).
نعم فبحلول الموت وعذاب الاستئصال أغلقت أبواب العودة كليّا ، وحيل كالسدّ المحكم بين الإنسان وبين أن يكفّر عن ذنوبه ، لذا فإنّ إظهار الإيمان في ذلك الحين ، كأنّه كائن من مكان بعيد ، وهو إيمان اضطراري بسبب الخوف الشديد من العذاب الذي يعاين هناك ، مثل ذلك الإيمان أصلا لا قيمة له ، لذا فإنّ الآية
__________________
(١) تفسير الميزان ، المجلّد ١٦ ، صفحة ٤١٩.
(٢) بحار الأنوار ، مجلّد ٥٢ ، صفحة ١٨٥ فيما بعد.
(٣) الضمير في كلمة «به» يعود على «الحقّ» على اعتبار أنّه أقرب مرجع له ، ونعلم بأنّ الحقّ الآيات السابقة يشير إلى «القرآن ومحتواه والمبدأ والمعاد ورسول الإسلام».