لا شكّ أنّ أمثال هؤلاء النسوة كنّ لا يطمعن إلّا في الفخر المعنوي عن طريق الاقتران بالنّبي صلىاللهعليهوآله ، ولذلك كنّ على استعداد للزواج منه بدون أيّ مهر ، إلّا أنّ وجود مثل هذا المصداق للحكم أعلاه غير مسلّم من الناحية التأريخية كما قلنا ، بل المسلّم أنّ الله سبحانه كان قد أذن لنبيّه بذلك للغاية التي سنشير إليها فيما بعد.
٣ ـ يستفاد من هذه الآية جيّدا أنّ إجراء صيغة عقد الزواج بلفظ «الهبة» كان مختّصا بالنّبي صلىاللهعليهوآله فقط ، ولا يستطيع أيّ فرد آخر أن يجري عقد الزواج بهذا اللفظ ، ويجوز إجراء العقد بلفظ الزواج أو النكاح ، حتّى وإن لم يجر للمهر ذكر فيه ، حيث يجب دفع مهر المثل عند عدم ذكر المهر كما قلنا آنفا ، فكأنّه في الحقيقة قد صرّح بمهر المثل.
* * *
بحث
جانب من حكمة تعدّد زوجات النّبي :
إنّ الجملة الأخيرة في الآية أعلاه إشارة في الواقع إلى فلسفة هذه الأحكام الخاصّة بنبيّنا الأكرم ، حيث تقول : إنّ للنبي صلىاللهعليهوآله ظروفا لا يعيشها الآخرون ، وهذا التفاوت في الظروف أصبح سببا للتفاوت في الأحكام.
وبتعبير أوضح ، إنّ الهدف من هذه الأحكام رفع بعض المشاكل والصعوبات من كاهل النّبي صلىاللهعليهوآله. وهذا تعبير لطيف يبيّن أنّ زواج النّبي صلىاللهعليهوآله من عدّة نساء كان لحلّ سلسلة من المشاكل الاجتماعية والسياسية في حياته ، لأنّا نعلم أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله كان وحيدا حينما صدع بنداء الإسلام ورفع شعاره ، ولم يؤمن به بعد مدّة طويلة سوى عدّة معدودة ، فإنّه ثار ضدّ كلّ معتقدات عصره وبيئته الخرافية ، وأعلن الحرب ضدّ
__________________
الآلوسي في روح المعاني أيضا في ذيل الآية مورد البحث. إنّ قبح هذا التعبير ، والمعنى الذي اخفي فيه لا يخفى على أحد ، إلّا أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله يمرّ عليه ويتجاوزه بشكل رائع.